للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مساجلة شعرية بين يدي الرسول]

وحين أتى وفد بني تميم يريدون أن يسلموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم اختاروا سبعة من رؤسائهم، اختاروا أحلمهم، وخطيبهم، وشاعرهم، وسيدهم، وشجاعهم، وكريمهم، ثم وفدوا، وأتوا بُحلة من الديباج اشتروها بستين ناقة، ولما وفدوا قالوا: يا رسول الله! قال: نعم، قالوا: قبل أن نسلم بين يديك لا بد أن نفاخرك، قال: بماذا تفاخروني؟ قالوا: عندنا شاعر العرب الزبرقان بن بدر، وعندنا الخطيب حاجب بن زرارة، فقال صلى الله عليه وسلم: لا بأس، فجمع صلى الله عليه وسلم الناس في المسجد، ليريهم سهولة الدين، ويريهم سماحة الدين فاجتمعوا جميعاً، فقام خطيبهم يتكلم ويمدح بني تميم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انتهوا قال: انتهى خطيبكم؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: أين ثابت بن قيس بن شماس؟ -خطيب الصحابة- فقال: هأنذا يا رسول الله! فقال رسول الله: قم، اللهم أيده، وثبِّت جنانه، وسدِّد لسانه، وهذه دعوات الرسول صلى الله عليه وسلم تكفي له أبداً، فقام على المنبر وافتتح خطبةً ما سمع الناس بمثلها، كأنها صواعق، حتى أنزل العرق من جبين كل أحد منهم، وأعلنوا الاستسلام بين يدي خطيب الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قام الزبرقان بن بدر شاعر بني تميم، فقام يمدح بني تميم:

نحن الملوك فلا حي يغالبنا منا الملوك وفينا تنصب البِيَعُ

فألقى حوالي خمسين بيتاًَ في مدح بني تميم، وسكت عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أنت يا حسان؟ قال: عندك يا رسول الله! -وحسان بن ثابت شاعر الإسلام، شاعر الدعوة - قال: أتستطيع أن ترد على هذا؟ - لأن هذا بهت الناس، جاء بقصيدة جزلة قوية، ارتجلها وأعد لها، ومحص كلماتها، والموقف عجل، لا يتحمل أن يعد حسان، بل يَرُد في الحال، فقال حسان عندي رد لهم يا رسول الله! عندي لسان لو وضعتُه على شعر لحلقه، ولو وضعتُه على حجر لفلقه، ثم أخرج لسانه وضرب أرنبة أنفه، ثم ألقى قصيدة عصماء، فكانت أعظم من قصيدتهم، وقالوا: غلب خطيبك خطيبنا، وشاعرك شاعرنا، مدَّ يدك نبايعك على لا إله إلا الله، فدخلوا في دين الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>