للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[التهاجر]

ومن أمراضها كذلك: التهاجر، يقول عليه الصلاة والسلام كما عند مسلم: {لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام} ثلاث ليالٍِ فقط حتى يذوب الغيظ، ثم تعود إلى أخيك المسلم {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٤].

أذكر قصة ذكرها ابن كثير وغيره من أهل العلم يقول: كان لـ معاوية -وهو خليفة ملك في الشام - مزرعة في المدينة بجانب مزرعة عبد الله بن الزبير، وكان بينهما شحناء، فدخل عمال معاوية مزرعة ابن الزبير، فكتب ابن الزبير من المدينة: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن الزبير إلى ابن آكلة الأكباد - أي: معاوية، وهند هي التي أكلت كبد حمزة - أما بعد: فقد دخل عمالك مزرعتي، فإن لم تنههم عن ذلك؛ فلي ولك شأن.

رجل من الرعية يُهدد الملك، فوصل الكتاب إلى معاوية وكان حكيماً حليماً في أعلى درجات الحلم، فعرض الكتاب على ابنه الطائش يزيد بن معاوية، الذي سئل عنه الإمام أحمد: هل نروي عنه؟ قال: وهل مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر يروي عن يزيد؟! وقال: لا نسبه ولا نحبه.

فعرض عليه الرسالة، وانظروا رأي البطانة الهائجة، البطانة غير المسئولة التي تلقي بالكلمات على عواهلها لا تقدر للأمور قدرها ولا تعي المسئولية.

قال: أرى أن ترسل جيشاً يأتيك برأس ابن الزبير أوله في المدينة وآخره عندك، قال معاوية: بل أحسن من ذلك صلةً وأقرب رحماً.

فأرسل إليه معاوية وقال: بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية بن أبي سفيان إلى عبد الله بن الزبير ابن حواري رسول الله، وابن ذات النطاقين، أما بعد:

فإذا جاءك كتابي هذا فخذ مزرعتي إلى مزرعتك، وعمالي إلى عمالك، فلو أن الدنيا بيني وبينك لكانت هينة سهلة أو كما قال.

فأتى ابن الزبير إلى الشام، ودخل دمشق ودخل على الخليفة وقبَّل رأسه، وقال: لا أعدمك الله عقلاً أحلك هذا المحل.

هذا الإخاء والوداد والحلم والصفح، ويفعله أتباع محمد صلى الله عليه وسلم في كل زمان ومكان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>