[من أقوال أهل العلم في النور]
وقبل أن أفرغ إلى حديث آخر أحب أن استطرد في قضايا:
مما قال أهل العلم: إن القلب يسرج سراجه فيه النور -لحديث حذيفة في الصحيح- فإذا استكمل العبد في الهدى وزاد في الصالحات، وأكثر في النوافل، نور الله قلبه حتى يصبح أبيض لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض -نسأل الله من فضله- وأن العبد إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء، فتجتمع هذه النكات حتى يصبح القلب أسود كالكوز مجخياً -أو منكوساً- لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه.
ومن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن العبد إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب صقلت وأزيلت، حتى يعود أبيض، وهذه الذنوب والخطايا تؤثر في ثوب الإيمان الأبيض، فتنكته فيصبح أسود، فإذا أزلته بالاستغفار والتوبة أعاده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أبيض.
في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، قال: {قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟ قال عليه الصلاة والسلام: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد} ما أجمل هذه الكلمات! تصل إلى القلوب، لا أجمل منها ولا أعبق إلا القرآن، فهو كلام من أنزله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
فلذلك قال: {اللهم نقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس} والبخاري يستشهد على هذا بلباس البياض، ويأتي بمثل هذا.
فإذا علم هذا فالخطايا هي التي توردك في الظلمة، ولا يوردك في الظلمة إلا الخطايا، وواجبك في الخطايا أن تتوب ليصقل قلبك، ومن ترك نفسه للخطايا أظلمت روحه، وأظلم قلبه فأصبح في ظلمة: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} [النور:٤٠].
أحد المناطقة يذكره ابن تيمية في المجلد الرابع من فتاويه، يقول: سئل عن قلبه، قال: ظلمات بعضها فوق بعض، سبحان الله! الذي لا يهتدي بالقرآن لا يهتدي بالوحي ويقع في الظلمات، قالوا له: لماذا لا تقرأ وتستغفر وتتوب وتعبد الله؟ قال: لا أستطيع: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ:٥٤].
فإذا وصل الخطأ إلى هذا المستوى والظلم والعصيان والفجور أظلم القلب، فأصبح مغلقاً، قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤] {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:١٤] بل: {طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [محمد:١٦] {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:١٣].
قال ابن المبارك: [[من ترك الآداب ابتلاه الله بترك السنن، ومن ترك السنن ابتلاه الله بترك الفرائض، ومن ترك الفرائض ابتلاه الله بالكفر]] ومن فعل هذه أصبح في ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.
ما هي الآداب؟ هي آداب الإسلام.
ما هي السنن؟ سنن الإسلام التي أتى بها صلى الله عليه وسلم، ولذلك سئل الإمام أحمد عن رجل ترك الوتر وداوم على تركه، قال: "هذا رجل سوء لا خير فيه" وإذا رأيت الإنسان يترك النوافل ويداوم على تركها، فاعرف أنه سوف تمر به مرحلة يترك الفرائض.