[مواقف من استعداد السلف للطامة الكبرى]
الطامة الكبرى كانت قضية متحركة في أذهان الصحابة رضوان الله عليهم وأرضاهم وفي أذهان السلف، يقولون عن سفيان الثوري رحمه الله: مكث يردد إذا زلزلت الأرض زلزالها من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، وهذا في سيرته رحمه الله، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى} [النازعات:٣٤ - ٣٥] والطامة هي التي لا أكبر منها ولا أعظم وهي التي تطم من هولها على الناس، وهي مأخوذة من الطم: وهو تراكم الشيء بعضه على بعض والله أعلم بمراده.
ويقول سبحانه: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ} [عبس:٣٣] من الصوت الصاخ؛ وهي التي تصخ الآذان بصوتها {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٦] والزاد هناك تقوى الله عز وجل.
دخل سعيد بن جبير على الحجاج والحجاج قد حكم على سعيد بن جبير بالإعدام غيابياً، وظل مطارداً منه ما يقارب اثنتي عشر سنة، ذكر المباركفوري في تحفة الأحوذي المجلد الأول قصة رائعة بديعة في مقابلة هذا الإمام مع ذاك الطاغية، فقال: "دخل سعيد بن جبير على الحجاج، فقال الحجاج له: من أنت؟ -والحجاج يعرف أنه سعيد بن جبير علامة التابعين، وزاهد الدنيا، والعابد الكبير- قال: أنا سعيد بن جبير.
قال: أنت شقي بن كسير.
فقال: أمي أعلم إذ سمتني.
فقال: شقيت أنت وشقيت أمك.
فقال سعيد: ليس هذا إليك.
قال الحجاج: والله لأبدلنك بالدنيا ناراً تلظى.
فقال سعيد: لو أعلم أن ذلك عندك لاتخذتك إلهاً.
فأحضر الحجاج له المال من الذهب والفضة ونثره أمامه ليرى ما هو تعليق سعيد بن جبير، فلما رأى الذهب والفضة قال: يا حجاج! إن كنت اتخذت هذا المال لتكف به عذاب الله عنك؛ فنعم ما فعلت، وإن كنت أخذته رياءً وسمعة؛ فاعلم أنه لا يغني عنك من الله شيئاً.
فقال الحجاج: علي بالعود؛ فأتوا بجارية تغني وتضرب العود فبكى سعيد.
فقال الحجاج: بكيت من الطرب؟ قال: لا والله، لكن بكيت يوم رأيت عوداً قطع في معصية وجارية سخرت في غير طاعة.
فقال الحجاج: اقتلوه.
فلما قاموا لقتله، قال: ولوه لغير القبلة.
فقال سعيد: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:١١٥] قال: اطرحوه أرضاً.
فقال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه:٥٥] قال: اذبحوه.
قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، خذها يا حجاج حتى ألقاك بها عند الله غداً: اللهم لا تسلطه على أحد بعدي؛ فلما ذبحه ثارت ثائرة كالبثرة أو الدرهم -في كف الحجاج ومرض- فأخذ يخور كما يخور الثور وظل على هذه الحالة شهراً كاملاً لا يهنأ بنوم ولا بطعام ولا شراب، ويرى في المنام أنه يسبح في الدم حتى أخذه العزيز المقتدر".
أما والله إن الظلم شؤم وما زال المشوم هو الظلوم
إلى ديان يوم الحشر نمضي وعند الله تجتمع الخصوم