قاد خالد بن الوليد في الجاهلية والإسلام مائة معركة، وما غلب لا في الجاهلية ولا في الإسلام، حتى المعارك التي شارك فيها في الجاهلية كسب فيها نصراً جاهلياً، هو لم يشارك يوم بدر كان غائباً، فأتى يوم أحد فشارك، وكان قائد الخيالة ذاك الوقت، وما شارك في المعركة إلا في الأخير، وقال صلى الله عليه وسلم للرماة: قفوا على هذا الجبل ولو رأيتم الطير تخطفنا فلا تنزلوا، فلما رأوا الغنائم، ورأوا الناس انتصروا في أول المعركة نزلوا وتركوا الجبل، فرآهم خالد فالتف من وراء الجبل، وصعد بالخيل فانتصر المشركون.
وبقي سنوات بعدما فتح الله الفتوح على المسلمين، وقتل أعداء الله، واستسلمت ثلاثة أرباع الدنيا بنصر الله ثم بسيف خالد؛ وأتت الغنائم من الذهب والفضة والحدائق والقصور والبساتين، فتركها خالد، وأتى إلى قرية في حمص، فأخذ مصحفاً لا يزال إلى اليوم في المسجد الأموي بـ دمشق كما يقول المؤرخون، غلافه في المتحف، غلافه جلد جمل، كان يفتحه من الصباح ولا يطبقه إلا في صلاة الظهر، وكان يبكي ويقول: شغلني الجهاد عن القرآن، فلما أخرجوا جنازته أخذت أخته تبكي وتقول:
أنت خير من ألف ألف من القو م إذا ما كبت وجوه الرجال
ومهين النفس العزيزة للذكر إذا ما التقت صدور العوالي
وأتى الخبر عمر في المدينة، فأخذ بردته يجرها، وجلس في المسجد وحده يبكي، وأخذ يضرب رجله بعصا عنده، ويقول: ذهبوا وتركوني، فأتاه رجل فقال: امنع النساء فإنهن ينحن على خالد، قال:[[دعهن، على مثل أبي سليمان فلتبك البواكي]].
تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها
وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها
ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها
كان بينه وبين عمر مثل ما بين البشر من إحن في بعض الأمور، ولما حضرته الوفاة هل تدرون إلى من أوصى أن يقسم تركته وصدقاته وعقاره؟ قال: بلغوا عمر بن الخطاب عني السلام، وقولوا: أنت خليفة خالد ونائبه في أمواله.