[القول بالحق]
أما صفتهم العاشرة والأخيرة: فيقولون بالحق، لا يحملهم الهوى على القول بالباطل، والرسول عليه الصلاة والسلام في حديث النسائي الصحيح كان يقول في الدعاء: {اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، وأسألك القصد في الغنى والفقر} والشاهد: وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، وبعض الناس الآن إذا غضب على أخيه وزميله وحبيبه، غضب عليه وحمله الهوى على أن يقول فيه ما لا يقال؛ وإذا رضي على أخيه ولو كان فيه أخطاء سكت عن أخطائه
وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا
فنسأل الله أن نكون عدولاً كما أمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء:١٣٥] شهداء يقومون بالقسط ويقولون بالقسط والحق لا يجورون ولا يظلمون، وفي أثر يروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه يقول: {وأن أقول الحق في الرضا والغضب}.
فمن صفاتهم أنهم يقولون بالحق، ويحكمون بالحق، ويقبلون الحق ممن قاله: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقَاً وَعَدْلاً} [هود:١١٩] أي صدقاً في الأقوال وعدلاً في الأحكام.
{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨] يقول: لا يحملكم بغض الناس على أن تحكموا عليهم بالمفتريات والزور، وتحيفون عليهم بالحكم الجائر لأنكم تبغضونهم، بل كونوا عدولاً، فـ أهل السنة وأولياء الله يقولون بالحق، ولو خالفك في جزئية فيجب أن تحترمه، لا زالت له حسناته ومقامه وقيمته.
هذه عشر مواصفات لأولياء الله جمعت من كتيبات لـ أهل السنة، هي صفات أهل السنة وهي مجملة، ويندرج في كل صفة جزئيات كثيرة، ولكن من عرف هذه ودرسها وفهمها، وحاول أن يعمل بها، كان ولياً بإذن الواحد الأحد، واستفاد مشرباً وسلامة وقصداً؛ ولذلك علم رسول الله صلى الله عليه وسلم حصين بن عبيد الخزاعي والد عمران وقال له: قل: {اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي} وقال لـ علي بن أبي طالب كما في صحيح مسلم: {قل: اللهم اهدني وسددني} وفي صحيح مسلم عن عائشة أنه: {كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم}.
والصراط المستقيم هو صراط محمد صلى الله عليه وسلم، الكتاب والسنة، وهذه مواصفات أولياء الله عز وجل من أهل السنة والجماعة، الذين لا يحتاجون إلى منظر غير محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يحتاجون إلى تأسيس غير الكتاب والسنة قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:٣] {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:١٤٣] فهؤلاء أهل السنة أولياء الله.
جعلنا الله من أولياء الله، سلام على أولياء الله، وحشرنا الله في زمرة أوليائه وأحبابه، وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وممن يقتدى به في سلوكه وأفعاله، وممن يكون على منهج الصالحين الذين مضوا من القرون المفضلة {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:٩٠].
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
سلام الله عليكم، وجمعنا بكم في دار الكرامة في مقعد صدق عند مليك مقتدر، يوم يتقبل الله عنا أحسن ما عملنا، ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.
آخيتمونا على حب الإله وما كان الحطام شريكاً في تآخينا
إن السلام وإن أهداه مرسله وزاده رونقاً منه وتحسينا
لم يبلغ العشر من قول يبلغه أذن الأحبة أفواه المحبينا
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.