[الوقفة الأولى: فضل الذكر في القرآن الكريم]
إن العودة إلى الله حسنة جميلة ولكنها في رمضان أحسن وأحسن، والتوبة النصوح واجبة على كل مسلم ومسلمة، لكنها في رمضان أوجب وأوجب، وهنيئاً لمن تاب في هذا الشهر وعاد إلى الله، وراجع حسابه مع ربه وعلم أنه سوف يلقاه.
وأزف لكم بشرى أن كثيراً من شباب الإسلام في هذه الأيام المنصرمة من أول رمضان قد عادوا إلى الله وأعلنوا توبتهم وراجعوا حسابهم مع الله، والله يقول لهم في محكم كتابه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٥] قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣].
كان منبر الرسول عليه الصلاة والسلام ثلاث درجات من خشب وفي رمضان {رقى عليه الصلاة والسلام المنبر في المدينة، رقى الدرجة الأولى، فقال: آمين، ثم رقى الثانية، فقال: آمين، ثم رقى الثالثة، فقال: آمين.
قالوا: يا رسول الله! ما معنى آمين؟ قال: جاءني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد! رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل عليك، قلت: آمين، ثم قال لي: يا محمد! رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة، قل: آمين، قال: قلت: آمين.
ثم قال لي: يا محمد! رغم أنف من دخل عليه رمضان وخرج ولم يغفر له، قل: آمين، فقلت: آمين} رغم أنفه، أي: ألصق بالرغام، والرغام هو دقيق التراب، أي: خسئ وخاب وخسر وبعد عن الله عز وجل يوم أدركته هذه الفرصة الذهبية الهائلة، التي لا تتكرر إلا قليلاً، ثم فوتها وضيعها.
إخوتي في الله: أعظم درس في رمضان أن يتوب العبد مع أهله وأسرته وبيته، ويعيش عيشة إسلامية، والذين لم يهتدوا إلى الطريق فإنهم مساكين، وكذلك الذين ما عرفوا ذكر الله، ولا كتابه ولا الطريق إليه.
من هنا كان حقاً على المسلم أن يذكر إخوانه في هذا الشهر بدرس عظيم، طالما ذكَّرَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو درس الذكر: ذكر الله تبارك وتعالى.
أما فضل الذكر فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد العاشر من فتاويه: أفضل العبادات بعد الفرائض الذكر، وهو شبه إجماع بين أهل العلم.
شبه إجماع أن أفضل النوافل بعد الفرائض ذكر الله تبارك وتعالى، ولكن ننصت نحن وإياكم إلى قضايا لننفذ إلى مسائل.
طريقان موصلتان إلى رضوان الله تبارك وتعالى: طريقة الفكر، وطريقة الذكر.
التفكر في آلائه ونعمه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والذكر لأسمائه وصفاته وذكره الشرعي، قال سبحانه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:١٩٠ - ١٩١].
الصالحون إذا اجتمعوا ذكروا الله، والفجرة إذا اجتمعوا تذاكروا ما يقربهم من الشيطان، ذكر الصالحين تسبيح وتحميد وتكبير وتهليل، وذكر المعرضين غناء ومجون وسفه وغيبة ونميمة وفحش.
يقول الأول:
إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس
يقول: يا رب! قلوبنا إذا مرضت تداوت بذكرك فصحت، أما قلوب اللاغين فتمرض من كثرة اللغو فلا تحيا ولا تصح أبداً.
قال سبحانه: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨] والقلوب مهما علقتها بلذائذ الدنيا فلن تطمئن أبداً، تعلق بعض الناس بالمناصب، وبعضهم بالقصور، وبعضهم بالأموال، وبعضهم بالأولاد، ولكن لم تصح قلوبهم ولا طابت، وما انشرحت صدورهم أبداً؛ لأن الله يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) [طه:١٢٤ - ١٢٦] ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب:٤١ - ٤٢].