هذا الحديث يتكلم عن القبلة، وعن البيت العتيق وعن بيت المقدس، الرسول صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فنزل على أجداده، وأجداده هم بني عدي بن النجار، وليسوا أجداده كما في هذا الحديث ولا أخواله، ولكن في هذا الحديث تجوز، أي: مسامحة في اللفظ، وإنما هم أخوال جده عبد المطلب، نزل عندهم النبي صلى الله عليه وسلم ليكرمهم، وإلا فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد أن ينزل في أي مكان، أول ما قدم المدينة، وأطل بطلعته البهية على الناس، قام الأنصار بما يقارب خمسمائة رجل بالسيوف، فاستقبلوه بـ الحرة، وحيوه بأجمل التحية، يقول أنس:{ما كنت أظن أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت الأنصار يبكون مما رأوا من النبي صلى الله عليه وسلم} ولذلك يقول الأول:
طفح السرور علي حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني
فكانوا يقولون: إلينا يا رسول الله؛ لأنهم ستة منازل، وست قرى، كل قرية تقول: انزل عندنا يا رسول الله! يقول عمرو بن عوف: انزل عندنا يا رسول الله، عندنا السيف والجد والمنعة، فيقول صلى الله عليه وسلم:{دعوها فإنها مأمورة} حتى الناقة مأمورة من السماء، تمضي بأمر الله، وتنيخ بأمر الله؛ لأنه قضاء الله ورسالة الله، فكان صلى الله عليه وسلم يترك الناقة وكان الناس حول الناقة يمشون، كل يريد أن يأخذ بزمامها، فيبتسم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس، ويسلم عليهم، فأخذت الناقة تسير وكان يريد في نفسه صلى الله عليه وسلم أن تنزل عند أجداده أو أخواله بني النجار ليكرمهم صلى الله عليه وسلم بذلك، ولكنه استحيا صلى الله عليه وسلم أن يقول: أريد آل فلان من تلك القبائل، فتركها فأراد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوافق رسوله في هذا النزول، فأتت الناقة فلما أصبحت في منازل بني النجار الذي هو مكان مسجده صلى الله عليه وسلم اليوم، أناخت هناك، فقالوا: انزل يا رسول الله! قال: لا.
ثم قامت مرة ثانية، ثم استعرضت ثم رجعت مكانها، فأخذ أبو أيوب رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل صلى الله عليه وسلم معه.