[أقسام المرض في القرآن]
وقد ذكر الله المرض في القرآن على ثلاثة أقسام:
١/ مرض الجسم:
أولاً: مرض الجسم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور:٦١] وهذا هو مرض الجسم وليس مرض القلب: {أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء:١٠٢] أي مرض الجسم.
٢/ مرض الشهوة:
ثانياً: مرض الشهوة، إنسان قلبه مريض بالشهوة، إذا سمع صوت امرأة تحرك قلبه، بعضهم فيه شهوة ولو كان عنده أربع زوجات لكن مرض الشهوة في قلبه، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:٣٢] وليس هذا مرض النفاق بل هذا مرض الشهوة.
٣/ مرض النفاق:
ثالثاً: مرض النفاق قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً} [البقرة:١٠] {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة:١٢٥].
٤/ علاج هذه الأمراض:
إذاً فالأمراض ثلاثة في القرآن: مرض الجسم وهو أقلها وأيسرها وأخفها ولا عبرة به، بل لو تقطع الإنسان على السرير من المرض لكان خفيفاً يسيراً، وأما مرض الشهوة فهو أثقل، ودواؤه الصبر، وأما مرض النفاق فهو أخطر ودواؤه اليقين، ولذلك ذكر الله اليقين والصبر في موضع واحد فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:٢٤] لماذا ذكر الصبر؟ قالوا: عن الشهوات، ولماذا ذكر اليقين؟ قالوا: عن الشبهات، يقول ابن تيمية: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
ثم يقول سبحانه: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:٧] هنا تساؤلات:
أولها: لماذا ختم الله على قلوبهم؟ لأنهم لم يهتدوا {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:٥].
ثانيها: لماذا قدم القلوب وجمعها؟ لأن لكل واحد منهم قلباً، ولا يصح أن يقال في اللغة على قلبهم، أما السمع فإنه يؤخذ منه المصدر فيقال: على سمعهم؛ لأنه قال هنا: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة:٧] ولم يقل: وعلى أسماعهم؛ بل أتى بها مفرداً أما القلب فلا يفرد.
ثالثها: ولماذا أتى بالسمع قبل البصر؟ لأن آلة السمع في العلم أقوى من آلة البصر، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:٧٨] فبدأ بالسمع؛ ولذلك من يستخدم آلة السمع في طلب العلم يكون أقوى ممن يستخدم آلة البصر، ووجد أن العمي أذكى الناس؛ إذا استخدموا أسماعهم بعد تقوى الله في السماع، والسماع الذي تسمعه أنت أقوى من القراءة التي تقرأها، وحضورك للدرس وسماعك له أقوى من نظرك في الكتاب حين تقرؤه، لأنها تشترك الآلات جميعاً في استقبال الصوت وهذا مجرب وملحوظ، فالله بدأ بالسمع قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} [البقرة:٧] ولم يقل: أسماعهم؛ لأنه يجوز أن يجعلها مفرداً هنا، وليس فيه ثقل في العربية، أي: في البلاغة، وأما لو قال: على قلبهم، فإنه لا يستقيم.
{وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة:٧] هنا الأبصار الذي يظهر -والله أعلم- أنها هذه الأبصار التي يرون بها، ليست البصائر ولو أنه قد يقال: إنها البصائر.