الناس طبقات، ولكن يبدأ طالب العلم أولاً بدراسة العلم على الأساتذة والعلماء وطلبة العلم، والثانويات والمعاهد العلمية والمدارس والكليات تكفي لمن لم يجد غيرها، وفيها خير، فإذا وجدت المساجد فهي أحسن وأحسن، وإذا وجد الشيوخ في المساجد فهم أحسن وأحسن، ولكن إذا لم نجد المشايخ، فأين نبحث؟ أنترك طلب العلم؟ لا.
بل نقول: في هذه المدارس والمعاهد والثانويات والكليات البركة والنفع الكثير، وهي تعطيك المفاتيح فقط، لكنها لا تعطيك كل العلم، فأنت إذا درست تبدأ تكوّن نفسك في بيتك -وسوف يأتي معنا كيف يكون طالب العلم مكتبته- فتبدأ بنفسك فتحفظ القرآن كما أسلفت، وتطالع تفسيراً ولو مختصراً، وأحسن التفاسير ابن كثير فتمر به مرة، وتصبر حتى تنتهي منه، وتتصور معاني القرآن، أما قراءة شذر مذر من كل بحر قطرة، فيكون الإنسان مثقفاً ولكن لا يكون عالماً، ثم تبدأ بدراسة المختصرات وتكرارها؛ مثل بلوغ المرام، ورياض الصالحين، وزاد المستقنع، والبيقونية، وألفية العراقي في الحديث، والرحبية، وأمثالها، أو ماتيسر من أي متون أخر فتطالعها، فإن استطعت أن تحفظها فكمال، وإلا فكررها كثيراً، ثم تبدأ بالمطالعة الكبرى.
بعض الناس يقول: إن المطالعة في المجاميع كـ المغني وفتح الباري والمجموع، والمحلى، لا تنفع، لا.
بل لها نفع كبير لمن كان أهلاً، فإنها تفتق ذهنك، ويشرق عليها عقلك، وتستفيد منها ملكة ودربة في مناقشة العلماء، والأخذ والعطاء والمداولة وفحص المسألة، وتحريرها وتحقيقها، ولو لم تفهم لكنه سوف يعلق بذهنك الكثير الكثير، وسوف تتحدث بطلاقة، وسوف تكون عالماً.
يقول ابن الجوزي: لا يخلو كتاب من فائدة، فأنا أرشدك أن تقرأ كل ما وقع في يدك، وكن قارئاً ممحصاً.
وطالب العلم يعرف ما هو الفن الذي يجيده، فبعضهم يصلح أن يكون مفسراً لا محدثاً، أو محدثاً لا فقيهاً، قال تعالى:{قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ}[البقرة:٦٠].
فأنت تعرف المادة التي تجيد فيها، فأشغل بها ليلك ونهارك، إن كنت محدثاً لتخريج الأحاديث، والرجال، ومخطوطات الحديث، ومراسلة طلبة العلم، والجلوس في دروس الحديث، ومسامرة العلماء، ومناقشته المشايخ، حينها تكون محدثاً.
فإن كنت فقيهاً فاجمع كتب ورسائل الفقه، والبحوث العصرية، والمجلات التي تعرضت للبحوث الفقهية، واحرص على المراسلة، والمكالمة مع العلماء في المسائل الفقهية حينها تكون فقيهاً.
وإن كنت مفسراً فاجمع كتب التفسير، وابحث عن دلالات الألفاظ، وعن لغات القرآن، ومقاصده، فإنك تكون مفسراً.