[علو الهمة]
ومنها: علو الهمة.
فلا ترضى من الصلاة إلا بأحسنها وأخشعها, ولا ترضى من العلم إلا أن تأتي على أطرافه وتجيد فيه، ولا ترضى في تخصصاتك إلا وأنت المبرز الأول:
من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول
وكما قال أبو فراس، وهمته في الدنيا لكن همتنا نحن في الدين، قال:
ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر
فخذ الصدر دائماً وإنني أطالب إخوتي في كلية الشريعة، أن يكونوا أئمة, وأن يجعلوا في أذهانهم أن يكونوا هم مفتو المستقبل, وأئمة مجتهدين في القريب العاجل, يقودون الأمة بالفتوى, وقال الله, وقال الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأطالب أخي في كلية الطب أن يكون طبيباً ماهراً متفوقاً على الطبيب الكافر؛ حتى نستغني بأطبائنا البررة المصلين الساجدين عن الأطباء الكفرة الملاحدة الزنادقة شكراً للأطباء الذين حملوا سنة محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك المهندس نراه مصلياً، ولكنه بارع في علمه مقبول عند الله عز وجل ومأجور على ما فعل وكذلك التاجر الأمين عند الله من أوليائه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وقد مدح صلى الله عليه وسلم التجار الأمناء وكذلك الفلاح الذي يُؤدي مهمته بإتقان وعمل، فعند البيهقي بسند حسن، أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه}.
وهناك صنف من الشباب يعيش بطالة تركوا العمل, وتركوا الوظيفة, والدراسة هربوا من الحياة بحجة أن الدنيا فانية، وأنها تؤثر على القلب, وأنها تهدم الدين، وقد افتروا فيما قالوا -سامحهم الله وردهم إلى الصواب- فإن الدين عمل، ولمن تتركون الحياة والله استخلفكم واستعملكم فيها؟ الدين إنتاج الدين أن تكون عاملاً في الورشة, أو طبيباً في العيادة، أو مهندساً منتجاً متحضراً ومقدماً حضارة للإنسان.
دخل عمر -رضي الله عنه وأرضاه- المسجد، فوجد شباباً في الزوايا يصلون ويتعبدون فقال: [[من أنتم؟ قالوا: عباد.
قال: من يطعمكم؟ قالوا: الله.
وهل شك عمر أن المطعم هو الله؟ قال عمر: أنا أعلم أن الله يطعمكم, لكن السماء لا تنزل ذهباً ولا فضةً من يطعمكم؟ قالوا: جيران لنا.
قال: جيرانكم خير منكم, انتظروني قليلاً.
فأغلق عليهم الباب وذهب وأتى بدرته التي تخرج الشياطين من الرءوس، وضربهم ضرباً مبرحاً حتى سالت دماؤهم، وقال: اخرجوا اعملوا، إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة]].
فيا إخوتي! لا بد من الجدية وترك الخمول والنوم الطويل والتكاسل؛ بحجة أن الحياة للكفرة وأن لنا الآخرة, فلا يصل العبد إلى الجنة إلا من طريق الدنيا، وعمر كان كاسباً يبيع ويشتري، وكان من أغنى الناس أبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، ولا بد أن نراجع السيرة مراجعةً تامةً قويةً.