[الدين الإسلامي يقوم على الجهاد]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من حكمة الله عز وجل أن جعل من أسباب ثبات هذا الدين أن يقوم علم الجهاد، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد:٢٥] فالرسل تأتي بالبينات، وهذه البينات لا تثبت إلا بحديد وقوة وجهاد، فديننا مصحف وسيف، وكان رسولنا عليه الصلاة والسلام يصلي بالناس ويقاتل أمامهم؛ يقوم في الليل قارئاً وتالياً وعابداً وناسكاً، ويحمل السيف في النهار مقاتلاً ومجاهداً ومتقدماً، وكان من لوازم هذه الفترة التي لا تنسى أن نتكلم عن الجهاد الذي عاشه أسلافنا والناس جميعاً لا يعترفون إلا بالقوي، ولا يحترمون إلا القوي إذا لم يكن هناك دين وورع ومخافة من الله.
والعرب في الجاهلية كان بعضهم يزري على بعض بضعفه وذلته وعدم قتاله، يقول أحد شعرائهم وقد سُرقت إبله، فذهب إلى قبيلته يستنجدهم فما أنجدوه وما نصروه، فقال في مقطوعة له:
لو كنت من مازنٍ لم تستبح إبلي بنو اللقطية من ذهل بن شيبانا
يقول: أنا لو كنت من آل فلان، ما أخذ إبلي آل فلان، لكني منكم وأنتم جبناء:
قومٌ إذا الشر أبدى ناجذيه لهم هبوا إليه زرافات ووحدانا
لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهاناً
فلامهم على ضعفهم وجبنهم وذلهم.
وهذا عمر رضي الله عنه وأرضاه يأتيه أناس يشكون أن أحد الشعراء يسب قبيلتهم، قالوا: يا أمير المؤمنين! سبنا وشتمنا وجدعنا، قال: ماذا يقول فيكم؟ قالوا: يقول لنا:
قُبيِّلَةٌ لا يغدرون بذمةٍ ولا يظلمون الناس حبة خردلِ
فهل هذا سب أو مدح؟ هو مدح عند أهل الإسلام لكنه عند أهل الجاهلية سب، قبيِّلة يعني: صغيرة ذليلة.
قال عمر: يا ليتني منهم، وهو لا يدري أنه سب، قالوا: يا أمير المؤمنين! يعني أننا جبناء.
ولا يردون الماء إلا عشيةً إذا صدر الوارد عن كل منهلِ
قال: هذا أحسن للزحام، يقول: ما يأتون بالإبل إلا إذا صدر الناس عن الماء من الخوف والخور، قالوا: يا أمير المؤمنين يسبنا ويجدعنا، فعرف عمر رضي الله عنه وأرضاه فأدب الشاعر، يقول زهير:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدّم ومن لا يظلم الناس يظلمِ
فأمر الله عز وجل بالجهاد، وحمل لا إله إلا الله والسيف للقتال، ومبارزة العدو، وقد فعلها خلفاء الإسلام فهذا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه لما رأى أن الأمر سوف يخرج من يده في حروب الردة، وقد قال عمر: أرى أن نفاوضهم، وكأنها مسائل فنية فنعرض الأمر مثلاً على مجلس الأمن، فإن قرر بالأغلبية قاتلناهم، لكن تحول أبو بكر إلى أسد وصعد المنبر، وقال: [[والذي نفسي بيده لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام لقاتلتهم عليه]] قال الصحابة: لا نرى قتالاً، قال: [[والذي نفسي بيده لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة]] ثم استدعى خالداً، وأعطاه الراية من على المنبر، ثم أدب المارقين تأديباً عظيماً، فعادوا ودخلوا في دين الله، فهذا هو منطق القوة.
عمر بن الخطاب أتاه الهرمزان يفاوضه على الصلح، يقول: نعطيكم بعض الأراضي، واتركوا لنا بعض الأراضي، كان يظن المسألة مسألة الضفة الشرقية والضفة الغربية لكن المسألة ليست مسألة أراضي أو رمال، بل المسألة أن تهيمن لا إله إلا الله في الأرض، فـ عمر لا يكتفي بـ إيران، أو تركيا أو أفغانستان يقول: هذه الأرض لا بد أن تفتح كلها بلا إله إلا الله، إما أن يجيبوا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، لماذا المفاوضة على الأرض؟ فهو لا يسمع مفاوضة على الأرض، فأرسل سعد بن أبي وقاص بجيش عرمرم عداده اثنان وثلاثون ألفاً كل واحد منهم في قلبه لا إله إلا الله، يحمل الموت ويصدق اللقاء، وفتحت الأرض حتى يقول الشاعر:
يا من يرى عمراً تكسوه بردته والزيت أدمٌ له والكوخ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرقاً من خوفه وملوك الروم تخشاه
وهذا معاوية يختلف مع علي رضي الله عنه وأرضاه وكلٌ مجتهد والحق مع علي، فيكتب ملك الروم لـ معاوية كتاباً يقول فيه: يا معاوية أجتمع أنا وإياك على علي لتستتب لك الخلافة، فهذا الكلب عدو الله وجدها فرصة أن علياً متشاجر مع معاوية، فيدخل في صراع ضد علي بن أبي طالب، فلو كان غير معاوية، لقال: حيهلاً وسهلاً، فكتب له معاوية: [[من معاوية بن أبي سفيان إلى كلب الروم.
أمَّا بَعْد
فوالذي نفسي بيده إن تقدمت بكثيب -يقصد الأرض- أو عبرت بسفينة البحر، لأجتمعن أنا وابن عمي علي بن أبي طالب عليك، فالحذر الحذر!]] يقول: أنا وعلي تحت مظلة لا إله إلا الله، فابن عمي يحمل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] وأنا أحمل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] ابن عمي يصلي كما أصلي، ويصوم كما أصوم، أما أنت فمجرم، فلا تقترب أبداً، ولو اقتربت، اجتمعت معه ضدك.