للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[توبة الله عليهم]

وبعدها أراد الله أن يتوب عليهم من فوق سبع سماوات، وبابه مفتوح، ونواله ممنوح، وخيره يغدو ويروح قال الله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:١٣٥] ومن يستر العيوب إلا الله، غفران الذنب ليس بيد ملك مقرب ولا نبي مرسل، لا يغفر الذنب إلا الله، ولا يكشف الكرب إلا الله، الرسول له مهمة التبليغ عليه الصلاة والسلام، أما إذا اشتدت الأزمات والكوارث والمصائب فالله هو الذي يكشفها، قال الله: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل:٦٢].

قال: فصليت صباح ذات يوم -وكان بيته في مزرعة بعيداً من المسجد، وربما لا يسمع الأذان- على سطح بيتي -لأنه لا يسمع الأذان- قال: فلما انتهيت من صلاة الفجر، جلست أسبح الله عز وجل، وأنا على الحالة التي ذكر الله عز وجل من حالتنا، حالة يرثى لها، حالة الأسى، واللوعة، والحزن -وإذا برجلين: رجل على فرس، ورجل أقبل راجلاً يسعى، قال: وأوفى الرجل الذي على رجليه على جبل سلع، وجبل سلع بين بني سلمة وبين المدينة.

ويقول أنس كما في الصحيحين: لما دخل الأعرابي يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستسقي الله عز وجل -وللفائدة-: إن الأعرابي دخل من باب القضاء والرسول صلى الله عليه وسلم في شدة حر المدينة وليس هناك من السحاب ولا الغمام في السماء شيء، وكانت المدينة تتوقد بلهيب الحرارة حتى الرمضاء تحترق يقول أنس: {فدخل الأعرابي فقطع خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو على المنبر يفيض على الناس مما أتاه الله من الحكمة، وقال: يا رسول الله! -فالتفت صلى الله عليه وسلم نحو دار القضاء التي شراها عمر - جاع العيال، وضاع المال، وتقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا.

ومباشرة لم يتلكأ، ولا فكر ولا تلعثم، رفع يديه: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، قال أنس: والذي نفسي بيده، ما في السماء من سحاب ولا قزع، فثارت سحابة كالترس، فأوفت على سلع قال: ثم انتشرت السماء، ثارت كالجبال في لحظة، قبل أن ينتهي صلى الله عليه وسلم من الخطبة، وهو ما كان يخطب إلا لحظات، قال: فثارت كالجبال ثم أرعدت وأبرقت وأزبدت، ثم أنزلت الغيث، قال: فأخذ سقف المسجد يخر على وجه النبي صلى الله عليه وسلم وجبينه الطاهر، وأخذ يتبسم إلى الجماهير، ويقول: أشهد أني رسول الله.

إي والله، نشهد أنه رسول الله، في لحظات تأتي هذه الأمطار، يقول: سال الوادي.

ويأتي ذاك الأعرابي أو غيره، وانظر نفس الكلام يقول: يا رسول الله! جاع العيال، وضاع المال، وتقطعت السبل، فادع الله، أن يكف عنا الغيث.

لماذا؟ لأنه حبسهم في البيوت، فالغنم لا تخرج والإبل والبقر أصبحوا في حظر، السماء مدلهمة على الأرض في اشتباك، واستمر المطر فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم من كثرة تململ الإنسان، أمس يشكو واليوم يشكو، ولكن الإنسان لا يدعو برفع الرحمة، إذا أنعم الله عليك برحمة؛ فلا تقل اللهم خفف علينا الغيث، فقال صلى الله عليه وسلم: {اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الضراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر قال أنس: والله ما أشار إلى ناحية إلا سكب الغيث نحوها، وخرجوا من المسجد مثل الجوبة} هذه في رواية البخاري، كأنهم في ثوب مفصل على المسجد وعلى الطرقات، يخرجون في الشمس، أما ناحية الطريق من هنا غيث والناحية الأخرى غيث، والمساجد والطرقات والجبال والروابي.

الشاهد: أن سلعاً هذا جبل في المدينة مرتفع، يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج من المدينة} معناه: إذا كثر العمار واختلط الناس، وكانت اهتماماتهم بالدنيا، فاخرج من المدينة، فلما رأى أبو ذر البناء وصل إلى سلع خرج من المدينة إلى الصحراء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>