[تفسير سورة المسد]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نحن وجه الشمس إيمانٌ وقوة نسبٌ حُرُّ ومجدٌ وفتوه
كرب عمي، وقحطان أبي وهبوا لي المجد من تلك الأبوه
والسيوف البيض في وجه الردى يوم ضرب الهام من دون النبوه
نحن من أحمد صغنا مجدنا رصع الحق أكاليل علوَّه
ثمن المجد دمٌ جدنا به يوم حطمنا من الباغي عتوَّه
في مساء السبت حيينا بكم مسجد الصديق يزهو بالأخوه
أيها الأخيار! يا أحفاد من نصروا الإسلام واجتاحوا عَدُوه
وأناروا العقل في ليل الهوى يوم كان الكفر في سبعين هُوَّه
إنني أحييكم في هذا اللقاء تحية خالدة مباركة.
وأسأل الله كما جمعنا في هذا المكان الطيِّب بطيبكم والمبارك بوجودكم أن يجمعنا في دار الكرامة.
والحقيقة: أن هذا الدرس يصل عمره إلى الخمس سنوات، وفي كل مساء سبت أسعد كثيراً، وأجد - يعلم الله - من النشاط يوم السبت والفرحة والبهجة ما لا يعلمه إلا الله؛ لأنني ألتقي بصفوة المنطقة، في العلم، والصلاح، والفكر والأدب والخير، فهم الصفوة الطيبة المباركة، الذين تركوا أعمالهم، وأشغالهم وارتباطاتهم، وحضروا هنا لأربعة أمور:
الأمر الأول: ليباهي بهم الله عز وجل في ملائكته.
الأمر الثاني: لتحفهم الملائكة.
الأمر الثالث: للتتنزل عليهم السكينة.
الأمر الرابع: لتغشاهم الرحمة.
ولعلكم في مساء كل سبت تنصرفون مفغوراً لكم بإذن الله، كما صح في الأحاديث.
وإن السعادة كل السعادة تغمر الإنسان بقصوره وبما عنده من عجز، وبما عنده من تطفل على العلم، وعلى موائد العلماء، أن يجد مثل هذه الطاقات المباركة من الشيوخ الكبار في السن، الصالحين الذين بلغوا الستين والسبعين، ويأتون من أطراف المنطقة، ومن القرى؛ ليحضروا بشيخوختهم وبكبر سنهم هذه الدروس، فيشاركون الشباب توجههم مع محمد عليه الصلاة والسلام.
وأجد كذلك الآباء وهم يجلسون أمام أبنائهم وهم يحدثونهم عن محمد عليه الصلاة والسلام وعن ميراثه.
وأفرح وأنا أجد زملائي من طلبة الجامعات والثانويات والمعاهد والمتوسطات والابتدائيات، وهم يحفون كل مساء سبت فيحضرون فأسعد بهم، وأتمنى من الله عز وجل أن يحشرني معهم، تحت لواء محمد عليه الصلاة والسلام.
أهلاً وسهلاً والسلام عليكمُ وتحية منا تُزَف إليكمُ
أحبابنا! ما أجمل الدنيا بكم لا تقبح الدنيا وفيها أنتمُ
مرَّت ثلاثة دروس في التفسير:
الدرس الأول: (قل أعوذ برب الناس).
والدرس الثاني: (قل أعوذ برب الفلق).
والدرس الثالث: (قل هو الله أحد) وكان في محاضرة.
والدرس الرابع هذه الليلة: ثلاث سور: (المسد، والنصر، والكافرون).
والسبب في إقحام ثلاث سور في درس واحد؛ لما أتاني من بعض الرسائل والاتصالات الهاتفية من كثير من الأحبة، وبعض المشايخ أثابهم الله، منهم من أبدى ارتياحه كثيراً، ودعا، وأشكره على حسن ظنه، ومنهم من لاحظ ووجه، والملاحظ والموجه أحب إلي من المثني والمادح، فرأوا أنه يمكن أن يكون هناك طول إذا أخذت السورة القصيرة من المغرب إلى العشاء، فحببوا لو يختصر في الشرح، ويربط واقع الناس بالقرآن، وتؤخذ سورتان أو ثلاث أو على حسب الحاجة في الدرس الواحد.
فاستجبت لرأيهم شاكراً، فالدرس الرابع هذه الليلة سوف يكون في هذه السور الثلاث.
ونبدأ مع كلام من يحسن كلامه، ومن ترتاح الأسماع لكلامه، وكلامنا مع كلامه بينه بَون، كالبَون الذي بينه وبين خلقه، كلامنا نسبته إلى كلامه كالخزف والفخار إلى الجوهر الغالي الثمين، فكلامه سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت:٤٢] أما كلامنا فإنه عرضة للباطل أن يأتيه أحياناً، وعرضة للوهم وللسهو وللغلط، أما كلامه، فإنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى شرفه أن يعترضه غلط أو وهم أو سهو.
أولاً: سورة المسد.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَب * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:١ - ٥]