[صيام رمضان برؤية الهلال]
المسألة الأولى: يحب صيام رمضان بمجرد رؤية الهلال.
نحن أمة أمية لا نكتب، ولا نحسب، ولا نعتمد على علماء الهيئة، ولا على علماء الفلك، ولا الرصد الجوي ولا نلتفت لهؤلاء سواء قالوا: زاد الشهر أو نقص فنحن أمة أمية، أمة صحراء، إذا رأينا الهلال في السماء صمنا، وإذا رأينا هلال شوال أفطرنا، وإذا شهد عندنا أعرابي أتى من الصحراء وهو يؤمن بالله ورسوله، قلنا: على العين والرأس، ولكن إذا أتى علماء الهيئة فقالوا: فنحن لا نتعامل مع أجهزة، نحن أمة بعثنا من الصحراء حتى يقول عليه الصلاة السلام في الصحيحين: {نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا} معناه يقول: عشرة زائد عشرة زائد تسعة، يساوي تسعة وعشرون يوماً، لأن هذه الحسابات كانت عند فارس والروم واليونان وكانوا أمماً حسابية، أي: فغلب عليها التفكر العقلي، أما نحن أمة بدهية ذكية عجيبة.
ولذلك يقول ابن تيمية: إن اسم العرب مشتق من الفصاحة والنبل والعروبة، فالله يقول: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:١٢٤] يقول أهل فارس: كيف لا يكون منا الرسول؟ أو يكون من سلالة أنوشروان كسرى، وتقول الروم: كيف ما يكون من سلالة هرقل، ويقول اليهود: كيف لا يكون منا والنصارى كذلك، فيقول الله: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:١٢٤] فاختار الله عز وجل هذه الأمة، ليكون منها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أمة ذكية، يمر الأعرابي يسمع القصيدة الواحدة من مائة وعشرين بيتاً فيحفظها لأول وهلة.
ويأتي الأعرابي يصعد على الجماهير من القبائل فيخطب عليهم خطبة ما يلحن ولا يتلعثم في حرف، لا في الحرب ولا في السلم، فلذلك الرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {نحن لا نكتب ولا نحسب إذا رأينا صمنا، وإذا رأينا أفطرنا} والله يقول: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجمعة:٢] والرسول صلى الله عليه وسلم لا يكتب ولا يقرأ، لكن القرآن في صدره، ومعارف المعارف التي سقاها الله قلبه محفوظة عنده صلى الله عليه وسلم.
إذاً قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:١٨٥] فإذا شهد أحد من الناس، وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وشهد لدينا صمنا، ووجب على الناس الصيام لا برؤية الرصد الجوي، ولا بأهل الهيئة، ولا بعلماء الفلك، فليس لهم دور في هذا، إنما هو من مسئولية الرؤيا، وكان العرب في الصدر الأول إذا كانوا يريدون رؤية الهلال يضعون ماءً صافياً في مكان مرتفع، فربما عكس لهم رؤية الهلال، فيرون هل هو ابن ليلة أو ابن ليلتين.
ومن ضمن الطرائف أن أحد الأعراب يقول: رأيت الهلال ابن ليلتين فقال رجل له أظنه عامر الشعبي: لا.
أنت لم تر الهلال -لأن عمر هذا الرجل ثمانين سنة- ومثلك لا يرى الهلال؛ لأن بصرك ضعيف، ولكن كان على حواجبك شعر ضعيف فكأنك تصورت أنه الهلال فبحث الرجل فوجد على حاجبه شعرتين خفيفتين كالهلال، فرأى أن الهلال ابن ليلتين، ذكر ذلك ابن الجوزي في كتاب الحمقى والمغفلين وفي كتاب الأذكياء ذكره عن عامر الشعبي أو عن رجل آخر من الأذكياء لما عرف هذا، وسمى في كتاب الأذكياء.
وفي السنن أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه أعرابي -والحديث عن ابن عباس - فقال: يا رسول الله! رأيت الهلال قال: {أتشهد أن لا إله إلا الله، قال: نعم.
قال: أتشهد أني رسول الله، قال: نعم.
قال: يا بلال مُرِ الناس بالصيام -أو بالإمساك-} أو كما قال عليه الصلاة السلام وهذا حديث يقبل التحسين، ولو أنه تكلم في سنده.
فما قال له صلى الله عليه وسلم: أأنت تصلى الضحى؟ وتوتر في آخر الليل؟ وتسبح بعد كل صلاة ثلاثاً وثلاثين؟ وتتسوك مع كل صلاة؟ لا.
سأله عن الخط العريض في الإسلام الذي يدخل به دين الله، ولذلك ينبغي للمسلم أن يقبل المسلمين على ظاهرهم، إذا رأيت وعلمت أنه مسلم في بلاد مسلمة فصدق كلامه، ومثلاً: تريد أن تأخذ من رجل لحماً فلا تقول: هل أنت تصلي الصلوات الخمس؟ وتصوم رمضان؟ وتحج البيت؟ وتعتمر وتغتسل من الجنابة؟ لست مأموراً بهذا في الإسلام، والناس بما ظهر لك منهم، حتى يظهر لك ما يبين أنه لا يصلي؛ كأن تراه في وقت الظهر لا يصلي ويقول: أنا لا أصلي فهذا تيقن لديك.
قال ابن عمر: {تراءى الناس الهلال على عهده صلى الله عليه وسلم، فأخبرت الرسول عليه الصلاة السلام أني رأيت الهلال فصام وأمر الناس بالصيام} إذاً: يكفي عندنا في الرؤية رجل واحد مسلم وقالوا: يكفي أنثى وبعضهم يقول: امرأتان كما اشترط للشهادة، أما الأحاديث فوردت في الرجال، فرجل واحد يكفي وإن زاد على رجل فأحسن وأحسن.