[بعض مظاهر نعمتي الحماية والنصر]
من الذي يحيمنا؟ أي جيش يحمينا إذا أراد الله ألا نحمى؟ أي قوةٍ تمنعنا وتحرسنا؛ إذا أراد الله أن يخذلنا؟: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص:٥٧].
أما مكننا في الحرمين؟ أما أصبحت ثمرات العالم تجبى إلينا من أنحاء الأرض، من الصين، وفرنسا، وبريطانيا، والدنمارك؟! ألسواد عيوننا؟ ألدعاياتنا العالمية؟ ألحبهم لنا؟ لكن لدعاء شيخنا في العقيدة، وأستاذنا في المبادئ، إبراهيم الخليل عليه السلام الذي يقول: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:٣٧].
فما دام أنا مقيمون على هذا العهد والميثاق فأبشروا بالاستقرار والأمن والسكينة، فإذا أخلفنا كان الخلف جزاء ما فعلنا، وكان النقض جزاء ما أبرمنا.
ويتخطف الناس من حولهم.
انظر إلى الشعوب وإلى المدن: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنْ الْقُرَى} [الأحقاف:٢٧] أما تخطفوا؟!
أما عاشوا الذلة؟!
أما عاشوا التشتت؟!
أما أصبحوا ينامون على زمجرة الصواريخ ويستيقظون على أزيز الطائرات؟!
أما قتلوا بالألوف؟!
أما عاشوا الجفاف والمجاعة التي ما ذقناها؟!
لماذا؟
لأسرارٍ سوف أذكرها:
{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:٣ - ٤] من هو رب هذا البيت؟
الواحد الأحد الذي أطعمهم من جوع، أي صحراء صحراؤنا؟ لا ترى فيها بساتين ولا حدائق، صحراء قاحلة، لا أنهار! لا مروج ولا بحيرات، صحراء يموت فيها الظليم، صحراء يهلك فيها النعام، ولكن أغاث الله أهلها! {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور:٥٥] {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ} [الحج:٤١].
وهذا وعدٌ من الله وقسم: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ} [الحج:٤١] أي: جعلناهم متمكنين قائمين على خيرات الأرض وثرواتها، واقفين على أوامرها، متمكنين منها ومن أهلها، ماذا يفعلون؟ {أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:٤١]
وهذه هي مواصفات العباد الصالحين الموحدين، أما أن تعكس الآية بعد التمكين إلى أمة تجعل من النصر طرباً ولهواً ولعباً، ومن التمكين في الأرض مظاهرات صاخبة يختلط فيها الرجال بالنساء، وتنتهك فيها الحرمات، وتضيع فيها حدود الله، فهذا ليس بشكر المنعم تبارك وتعالى.
وقد أخبر عليه الصلاة والسلام -كما في الحديث الصحيح- أنه رأى رؤيا في المنام، حيث رأى أن الأرض زويت له، المشرق والمغرب وهو نائم، ورؤيا الأنبياء وحي، فعلم أن ملك أمته يبلغ ما زوي له عليه الصلاة والسلام، وهذا قد وقع، وقد دخل أتباعه يصلون في قرطبة، ويعبدون الله في السند والهند ويكبرون على ضفاف الفرات والنيل، ثلاثة أرباع الدنيا فتحت بلا إله إلا الله:
وأينما ذكر اسم الله في وطنٍ عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني
بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني
وأخبر عليه الصلاة والسلام -في الصحيح- لـ عدي بن حاتم {أنه سوف تمر الظعينة من صنعاء إلى حضرموت لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها} وبالفعل يرتحل المرتحل من الجزيرة ولا يخاف، يحمل الذهب والفضة، بل يحمل روحه، ولا يخاف قتلاً ولا سلباً ولا نهباً بنعمة لا إله إلا الله.