[انتشار مرض الشبهات]
هذا مرض الشبهات وهو ينتشر في الكلمات، لماذا يستهزأ بالدين في بعض الأوساط الإسلامية؟ لمرض الشبهة، يستهزأ بالمستقيمين ويسمون متطرفين ومتزمتين، مطاوعة رجعيين ومتخلفين، لأن هذه الكلمات صدرت عن شبهة.
أبو العلاء المعري هذا الشاعر ظريف في شعره وقوي في شعره، لكنه مظلم القلب وما زكاه الله، وإلا فشعره في الذروة، وهو الذي يقول، ويستحسنها ابن القيم وابن تيمية:
يا ساري البرق أيقظ راقد السمر لعل في القوم أعواناً على السهر
يود أن ظلام الليل دام له وزيد فيه سواد السمع والبصر
لكن ليته كف وليته سكت على جودة الشعر، لكن حارب الله بشعره، واستهزأ بالشريعة، يقول:
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض ما لنا إلا السكوت له ونستعيذ بمولانا من النار
يا للخيبة والخسارة!
أوردت نفسك النار!
وتأتي الآن لتستعيذ من النار!!
فأين مذهبك عن النار؟
يقول: لم دية الكف خمسمائة دينار ذهب وإذا سرقت ربع دينار قُطعت؟
فرد عليه أحد علماء السنة عبد الوهاب بن المالكي رحمه الله فقال:
قل للمعري عار أيما عار جهل الفتى وهو عن ثوب التقى عاري
لا تقدحن بنود الشرع عن شبه شرائع الدين لا تقدح بأشعار
فأخذه أعني الله نكال الآخرة والأولى، وله قصة عند ابن كثير في البداية والنهاية.
وعندنا في الأوساط، رجل يستهزئ بالحجاب، ويقول: هذه خيمة تركب على النساء، ورجل آخر يقول: هؤلاء الشباب المقصرو ثيابهم، والمطيلو لحاهم لا يفقهون ولا يعلمون شيئاً: {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٣] والله! إن ذاك هو السفيه والمتخلف ومريض القلب: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:١٠] ورجل آخر يقول: الدين لا يواكب العصر، والقرآن قد ذهب وقته، والسنة مشكوك فيها، ورواة الصحابة يروون المرويات ليتشفوا بها من غيظهم: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:٨٩].
ومرض الشبهة أكثر ما يصيب من عنده علم، وليس العلم إذا أطلق، فإنه لا يكفي العلم بلا إيمان، فهذا أتاتورك أتى بعلم لكنه طاغوت عبد علمه من دون الله، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وإنما نعني بالعلم: قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم، علم القرآن والسنة، وقد ورد في مختصر الفتاوى لـ ابن تيمية أنه قال: "من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدى غير هدى الله الذي أرسل به محمداً عليه الصلاة والسلام؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".
وهذه قد يحملها ويعتقدها بعض الناس، حتى من المثقفين، ومن خريجي الجامعات، والمؤسسات العلمية وحملة الشهادات، ولذلك قد أصبنا ببعض الفسقة من طلبة العلم، طالب علم ربما حمل الماجستير والدكتوراه، ولكنه فاسق أعمى، قلبه ظلمات بعضها فوق بعض، لا يعرف الصلاة في المسجد، ولا يفتح المصحف، ولايعرف بر الوالدين، والذكر، ولا يدعو إلى الله، ولا يعين عباد الله على ما يرضي الله، فهذا مثل عابد بني إسرائيل، ولذلك يقول سفيان بن عيينة: كما ذكر ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: "من فسد من علمائنا ففيه شبه باليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه بالنصارى".
قال الله في فاسق وفاجر بني إسرائيل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:١٧٥ - ١٧٦].
ونحن لا نحتاج إلى كثرة المتعلمين، كحاجتنا إلى كثرة المؤمنين المتعلمين: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:٥٦] فعلم بلا إيمان لعنة، وكتاب بلا إيمان كلام مصفف، وقلب بلا إيمان قطعة لحم، وعين بلا إيمان مقلة عمياء، وكف بلا إيمان إشارة خاطئة، وبيت بلا إيمان ثكنة متهدمة، ومجتمع بلا إيمان قطيع من الضأن الضائع، فالمسألة مسألة لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأقول: إنه يكثر مرض الشبهة في المثقفين، ولكن الثقافة التي لا تصل إلى القلوب، ثقافة الماجريات، وثفاقة التخلف؛ خير منها الجهل وهي جهل بحد ذاتها.