للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عصمة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم]

ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام مكث بين أعدائه من المشركين واليهود ثلاثاً وعشرين سنة يدعوهم إلى الله، ومع ذلك عصمه الله منهم، وأنزل عليه تطميناً لخاطره في سورة المائدة: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧].

كان إذا أراد أن ينام صلى الله عليه وسلم في الليل جعل حارساً على الباب من الصحابة؛ معه سيف ورمح وخنجر يحرسه حتى الصباح, لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خطير واغتياله سهل, والله عز وجل حماه في فترة طويلة، فخاف صلى الله عليه وسلم أن يعتدى عليه من قبل اليهود والمنافقين, قالت عائشة: {سافر صلى الله عليه وسلم مرة من المرات فنام صلى الله عليه وسلم في الصحراء ومعه خيمة, قال: ليت رجلاً صالحاً يحرسنا هذه الليلة, قالت: فإذا به يسمع صوت سلاح فقال صلى الله عليه وسلم: من؟ قال: سعد بن أبي وقاص -الذي دمر إمبراطورية كسرى وقيصر, هذا الذي فتح فارس الذي قتل الدكتاتور رستم , يقول صلى الله عليه وسلم إذا رأى سعد بن أبي وقاص: هذا خالي فليرني كلٌ خاله- فقال صلى الله عليه وسلم: من؟ قال: سعد بن أبي وقاص , قال: رحمك الله, فحرس النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الصباح أنزل الله عز وجل: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)} يقول: لا تخف لا تأخذ حراسة، فلن يعتدي عليك أحد, فترك صلى الله عليه وسلم الحراسة، فكان يمشي وحده بلا سلاح ولا حرس, وقد تعرض لإحدى عشرة محاولة اغتيال ونجاه الله, وأنا أذكر بعضها:

رجل من قريش اسمه فضالة أخذ خنجراً كخافية النسر وسمّه حتى أصبح الخنجر أزرق, قال: {فلما أصبح صلى الله عليه وسلم يطوف جعلت الخنجر تحت إبطي، قلت: فسوف أتركه فإذا قبل الحجر طعنته, قال: فاقتربت منه، فكلما أردت أن أطعنه إذا كالبرق بين عيني, قال: ثم التفت وأنا بجانبه، قال: يا فضالة! ماذا تقول؟ قلت: أستغفر الله وأحمد الله وأدعو الله, قال: قل أعوذ بالله من الشيطان, فقلت: أعوذ بالله من الشيطان, قال: فأخذ يده فوضعها على صدري، فوالله ما رفعها حتى كان أحب الناس إلى قلبي}.

وقال عثمان بن أبي شيبة: {خرجت مع الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن قتل آباءنا في بدر فلما أهويت لأقتله حماه الله، قال: ثم التفت إلي صلى الله عليه وسلم ودعا لي وعفا عني فكان أحب الناس إلي}.

ومن محاولات الاغتيال: أن رجلين من العرب عامر بن الطفيل سيد العرب, كان عنده ألف مقاتل, وأربد بن قيس ذهب إلى المدينة , فقال عامر بن الطفيل لـ أربد: سوف أشغل الرسول عنك وأحدثه، فإذا أشغلته فاقتله من ورائه, فلما وصلا إلى المدينة , قال للرسول: اخرج معنا إلى الصحراء نريدك, فخرج معهم صلى الله عليه وسلم, وليس لديه سلاح ولا أخبر أحداً من الصحابة, فلما أصبح وحده معهم, قام عامر بن الطفيل يحدث الرسول صلى الله عليه وسلم, ويشير بعينه إلى أربد , ومع أربد سيف يقول: اقتله, فتوقف أربد , فأشار له فتوقف, وأشار له فتوقف, ثم ترك عامر الرسول صلى الله عليه وسلم ومشى هو وأربد , فقال عامر لـ أربد: والله لا أصحبك بعد اليوم، ولا رأيت أجبن منك في العرب, قال: ولِمَ؟ قال: أشغلت الرجل عنك وما قتلته؟ قال: والله ما هممت ولا رفعت سيفي لأقتله إلا وجدتك بيني وبينه أفقتلك؟ فالتفت صلى الله عليه وسلم وعرف أنهما خائنان لما مضى, قال: {اللهم سلّط عليهم ما شئت} فأما عامر بن الطفيل فسلط الله عليه غدة نزلت كثدي المرأة في حلقه, وهو في بيت عجوز من بني سلول، قال: غدة كغدة البعير في بيت امرأة من بني سلول! يقول: أنا أكرم العرب أموت في بيت هذه العجوز, فركب على الفرس فمات, وأما أربد بن قيس فقد أنزل الله عليه صاعقة فأحرقته وأحرقت جمله وسط السوق.

يا غارة الله جدي السير مسرعة في أخذ هذا الفتى يا غارة الله

يقول سبحانه يرد على الرسول صلى الله عليه وسلم: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الشورى:٢٤] ومعنى الآية: هل تفتري علينا الكذب؟ فإذا شاء الله ختم على قلبك فلا تستطيع تتكلم, فمن الذي جعلك تتكلم؟ هذا المصحف الذي بين أيدينا أتى به عليه الصلاة والسلام, وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، لا تعلَّم ولا دخل مدرسة، ولا يعرف أن يكتب اسمه عليه الصلاة والسلام {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجمعة:٢] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت:٤٨ - ٤٩].

ثم إن الله بشَّر به عليه الصلاة والسلام في الكتب السابقة، وعرفه الناس عليه الصلاة والسلام قبل مبعثه, ومن أوصافه صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة ما روى عبد الله بن عمرو بن العاص عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أجل والله! إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن, اسمع إلى كلام التوراة " يا أيها النبي! إنا أرسلناك شاهدا ومبشراً ونذيراً -وهذه جملة في القرآن- وحرزاً للأميين -أي: حرزاً لنا, الأميين الذين لم يقرءوا ولم يكتبوا, نحن أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب- أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة -ما كان يرفع صوته صلى الله عليه وسلم ولا كان يصيح، وإذا أراد أن يلتفت لا يلتفت برأسه فقط، بل يلتفت بجسمه كله, ولا يشير بأصبعه ويشير بيده كلها, وكان عليه الصلاة والسلام لا يتثاءب أبداً منذ أن ولدته أمه إلى أن مات ما تثاءب, لأن التثاؤب من الشيطان, ولم يحتلم أبداً, وكان إذا قام يقول: {استووا استووا اعتدلوا إني أراكم من وراء ظهري} فكان يرى الصفوف من وارء ظهره, وكان صلى الله عليه وسلم إذا نام تنام عيناه ولا ينام قلبه, ويرى أحياناً أنه يدخل الجنة، وأحياناً يتكلم مع الملائكة عليه الصلاة والسلام، وله صفات كثيرة عليه الصلاة والسلام, كان العرق الذي يتصبب منه أحسن من المسك, وكانت الأنصار تأخذه في قوارير, ويأخذون منه قطرات يغسلون به المرضى فيتشافون بإذن الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>