[الدرس الحادي والعشرون: آداب في الحروب]
ومنها: النهي عن قتل المرأة والوليد والخادم؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام نادى الأبطال والقواد في كتائبه ومن ضمنهم خالد وقال لهم: {لا تقتلوا امرأة ولا وليداً ولا عسيفاً} والعسيف: الخادم.
ومنها: قتل دريد بن الصمة الشاعر الذي سلف في أول القصة، وكان كبيراً في السن شيخاً وقال لـ مالك النصري: عد بإبلك وبقرك وغنمك، وأمر قومه أن ينزلوا بالسلاح فقط, فعصوه فانهزموا فقال:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
ولما فر مع الناس لحقه رجل سلمي اسمه ربيعة بن رفيع قال: فأدركته فظننته امرأة، فأنزلته من على فرسه فرأيت شيخاً يفهق من كبر السن، فضربته بالسيف.
قال: ويل لك، ما ولدتك أمك مقاتلاً، خذ هذا السيف ثم اضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فإني كنت كذلك أضرب الأبطال.
قال: فأخذت سيفه فلما أردت قتله، قال: إذا ذهبت فمن أنت؟
قلت: أنا ربيعة بن رفيع السلمي.
قال: أخبر أمك باسمي, أنا دريد بن الصمة فكم أعتقت لك من أم، قال: فذبحته فلما أتيت إلى أمي.
قالت: فضيحة لك بقية اليوم، أعتقني وأعتق عماتك الثلاث, وأطعمنا من جوع فقتلته.
قال: يذوق نار جهنم لأنه مشرك.
ومنها: اشتشهاد أبي عامر الأشعري في أوطاس فإنه حضر المعركة رضي الله عنه وأرضاه وضربه مشرك في ركبته بعد أن قتل تسعة من أبطال المشركين, ووقف له العاشر فضربه في ركبته فخرج منها الماء فمات، فقال لابن أخيه أبي موسى: اذهب إلى رسول صلى الله عليه وسلم وبلغه مني السلام وقل له: يدعو لي.
قال أبو موسى: فأتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته في غرفة ضيقة قد أثر الحصير في جنبه، فقلت: يا رسول الله! قتل عمي أبو عامر الأشعري وهو يبلغك السلام ويقول: ادع له.
فقام عليه الصلاة والسلام إلى ماء فتوضأ ثم استقبل القبلة، فقال: اللهم اغفر لعبدك أبي عامر ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم اجعله من ساكني الجنة, وارفعه على كثير ممن خلقت وفضله عليهم تفضيلاً، قال أبو موسى: فلما سمعت هذا الدعاء وقفت بجانبه صلى الله عليه وسلم فقلت: وأنا يا رسول الله، لأنها فرصة لا تتعوض.
فقال صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم رافعاً يديه إلى القبلة: واغفر لـ أبي موسى وأكرم نزله ووسع مدخله.
فكان الرسول والمرسل ظافرين بدعاء الرسول عليه الصلاة والسلام.
ومنها: تأليف الناس بالمال: فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ألف هؤلاء لا لحب فيهم ولا لإيمانهم ولا لجهادهم، لكن ليدخلوا في دين الله أفواجاً, فإنهم ما دخلوا إلا بالنوق الحمر وبالمال, فللمسلم أن يتألف بعض الناس بشيء من الهدية إذا دعاه, أو بالمال أو بالوليمة، فإن من عباد الله من لا يدخل الجنة إلا بالولائم.