للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الخامس: الدعاء والاتصال بالواحد الأحد]

الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر يسهر الليل.

نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك

حتى سقط رداؤه من على جنبه الشريف صلى الله عليه وسلم، فيقول أبو بكر: يا رسول الله! بعض مناشدتك لربك، يعني يكفي، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أعرف بالله، ويعرف صلى الله عليه وسلم أن أقرب الناس من الله الملحين، والله يحب الإلحاح، ويحب سبحانه وتعالى الذي يسأله كثيراً.

الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب

فكان صلى الله عليه وسلم يقول طيلة الليل: {اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد اليوم} فنصره الله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال:٩] فقبل الله الاستغاثة.

ولقد سمعت في شريط يتكلم عن غزوة بدر وهو حسن، لكن بعض العبارات لا بد أن تضبط بضابط الشريعة، لأن البياض إذا زاد أصبح برصاً، وهذه الكلمات مثل الوردة تشم ولا تعك، سمعته يقول: اتصل صلى الله عليه وسلم في ساعة الصفر في المعركة اتصالاً مباشراً بالله عز وجل فوق العرش، وقال: عاوز ألف من الكمندوز، قال: فنزل جبريل يقود ألف مقاتل، ونزل بهم في الحال، وجبريل هو قائد الفرقة الثامنة والثلاثين والمتخصصة في النسف والإبادة.

ونقول لهذا: لا.

لا بد أن تضبط عبارتك بضابط الشريعة، نزل جبريل تحت لواء الرسول صلى الله عليه وسلم.

قالوا للأصمعي: ما هو أشرف بيت قالته العرب؟

قال: أشرف بيت قول حسان يوم بدر:

وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد

هذا أشرف بيت، إي والله، من هو تحت اللواء؟ جبريل نزل تحت لواء الرسول صلى الله عليه وسلم، وأهل العلم من أهل السنة يقولون: كانت الملائكة والصحابة تحت لواء الرسول صلى الله عليه وسلم بالإجماع، والمعلوم عند أهل السنة: أن الملائكة كانت تتلقى أخبارها وأوامرها ونواهيها في المعركة والإقدام من العريش من قيادة الرسول عليه الصلاة والسلام.

فأشرف بيت قالته العرب هو هذا:

وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد

يقول: هل عندكم مثلنا؟ عندكم مثل جبريل ومحمد تحت الألوية، أما لواؤنا في بدر فكان أسود يعلن حالة الخطر، وكان تحته الرسول صلى الله عليه وسلم وجبريل، والرسول صلى الله عليه وسلم أشرف عندنا من جبريل عليه السلام.

علي بن موسى بن الرضا كان وزيراً في عهد المأمون، من آل البيت من بني هاشم، فمدح الحسن بن هانئ جميع الخلفاء وترك هذا الأمير، فغضب الأمير، فاعتذر إليه، وقال فيه قصيدة يحييه ويذكر جبريل مع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول جده عليه الصلاة والسلام لأمه، رضي الله عنهم جميعاً، فقال في مدحه:

قيل لي أنت واحد الناس في كل معنى من الكلام بديهي

لك من جيد القريض مديح ليس يعرى عن مفخر مكتسيه

فعلام تركت مدح ابن موسى وهو أحرى بأعظم التنويه

قلت لا أستطيع مدح إمام طهر الوحي بيته وذويه

ما عسى أن أقول في مدح من قد كان جبريل صاحباً لأبيه

أي: الرسول صلى الله عليه وسلم.

فلا بد من الشجاعة والدعاء والاستغاثة بالله عز وجل حتى في أوقات الخطر، وكان صلى الله عليه وسلم يقول قبل المعركة: اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم، وذكر الله عز وجل في المعركة فقال: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:١٤٧] فماذا قال: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:٢٥١].

فيا أيها الإخوة: نحن بحاجة إلى الدعاء وخاصة في المدلهمات يقولون: قتيبة بن مسلم كان في معركة، فالتمس محمد بن واسع فأخبروه أن محمد بن واسع يرفع أصبعه ويدعو ويقول: يا حي يا قيوم اللهم انصرنا قال: والله لأصبع محمد بن واسع خير عندي من ألف سيف شهير، ومن ألف شاب طرير.

وانتصر بإذن الله.

فالله الله في الدعاء واللجوء إليه، خاصة في هذه الليالي في السجود، أن يحمي الله عقيدتنا، وإسلامنا، وأن ينصرنا، وأن يجعل الدائرة على أعدائنا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>