[الكلام أكثر من العمل]
المسألة الثامنة عشرة: من قصورنا جميعاً أن نسمع ونتحدث أكثر من أن نعمل، كلامنا أكثر من عملنا، محاضراتنا أكثر من فعلنا، ندواتنا، ودروسنا، أكثر من تأثيرنا بالعمل البناء بالناس، أمة تتحدث، أمة عندها ترف في الكلام، أمة تحب الكلمة والقيل والقال.
وعلى سبيل المثال: كم يحضر المحاضرة العامة من شباب، لكن كم يدعو إلى الله من هؤلاء؟
بعض المحاضرات يحضرها أكثر من عشرة آلاف، وهذا ليس مبالغة بل هو الحق، ومن حضر شهد بذلك، وليت من العشرة آلاف عشر العدد يعملون لله، وأنا لا أقول: العشرة الآلاف لا يعملون لله! فإنهم يعملون لله في الصلوات، وفي الحج، والعمرة ورمضان، وفي بعض الحقوق، ولكني أقصد حق الدعوة، وحق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحق محمد عليه الصلاة والسلام على الأمة، وحق إيصال الكلمة إلى الناس، وحق التأثير، والمشاركة، ليت العشر من العشرة آلاف يعملون لله في الدعوة، يعني: ألفاً، لو عمل ألف في مدينة من المدن بالحكمة والموعظة الحسنة، واللين، وإيصال الفكرة للناس، واقتحام الحواجز التي وضعها بعض الناس بينهم وبين الناس؛ لعم الخير، وكان الشر في إدبار، وكان النفع العميم ينتشر هنا وهناك.
إن مسئوليتنا -أيها الإخوة- أن نعمل، مسئولية ضخمة، ولننظر إلى هذا الحضور، فلو أخذنا العشر ممن حضر هذه الليلة وتبنى فكرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمشاركة في مثل هذا الموسم، موسم الاصطياف، وذهب إلى المنتزهات يحمل الشريط الإسلامي، والكتيب بأدب ولينٍ وحكمة، ولا يجرح المشاعر، ولا يغضب القلوب، ولا ينفر النفوس، وعرض فكرته للناس، والله الذي لا إله إلا هو لقد قيل: عن بعض من يحمل الفكرة الباطلة من العلمانيين والحداثيين، بل من النصارى واليهود؛ إنهم يضحون لدينهم، ويبذلون لدعوتهم، وينفقون أموالهم في سبيل مبادئهم الباطلة أكثر مما يفعله كثير من المسلمين.
والله يقول في هؤلاء المنحرفين، وإنفاق أموالهم: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:٣٦].
واقرأ تراجم بعض الذين أقاموا بعض الفكر في العالم، مثل فكرة الشيوعية.
فقد سجن لينين ست سنوات ويضرب بالحديد ووراء الأسلاك وفي الزنزانة حتى أثبت فكرته.
كارل ماركس سجن ثلاث مرات في بلجيكا، وفي فرنسا وفي إنجلترا، ثم اعتنق فكرته مليار شيوعي في الصين والاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا وفي بولندا هذه الدول الشرقية اعتنقت فكرته، وقد سحب هو في أثناء مطر، وقد ذكرت هذا لكم في قصة طويلة أو في محاضرة الشيوعية إلى الهاوية.
وكثير من الناس، اقرأ مثلاً مذكرة ميشيل عفلق وكم تعرض، وحردان التكريتي، كل هؤلاء الأوثان والأصنام خدموا فكرتهم عجباً.
أنا حدثتكم أن أحد المجاهدين يقول: فتاة فرنسية عمرها ما يقارب الثلاثين سنة، تجوب جبال أفغانستان، معها جهاز، وفراش على ظهرها، وتنام في الثلوج، ومع البعوض، وفي المستنقعات؛ من أجل أن تبشر بدين المسيح المحرف.
طيب الآن ما هو تأثيرنا في الناس؟ ما هو دور هذا الكم الهائل الذي يحضر هذه المحاضرة؟ ماذا يقولون غداً لمحمدٍ عليه الصلاة والسلام؟ إذا قال: هل بلغتم دعوتي؟ أنا قلت لكم في الحياة الدنيا: {بلغوا عني ولو آية} قراكم فيها خرافة، وقد يتخلف فيها الناس عن صلاة الجماعة، وقد لا يطبق فيها الحجاب، وقد يوجد فيها قطيعة الرحم، أذية الجيران، والغيبة، والنميمة، والحسد، وأكل الربا، فماذا فعلتم؟
إذا قيل أنتم قد علمتم فما الذي عملتم وكلٌ في الكتاب مرتب
وماذا كسبتم في شبابٍ وصحة ٍوفي عمر أنفاسكم فيه تكتب
فيا ليت شعري ما نقول، وما الذي نجيب به إذ ذاك والأمر أصعب
إلى الله نشكو قسوةً في قلوبنا وفي كل يومٍ واعظ الموت يندب
{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} [الأحزاب:٣٩].
اسمع الآيات الهائلة، في ميراث الأمة التي توجه مصير هذه الأمة، وعقولها، وأفكارها، ودماءها؛ أن تتحرك بدعوة الرسول عليه الصلاة والسلام.
ثم يلتفت عليه الصلاة والسلام ويدعو ربه، ويبتهل إلى مولاه ويقول: {نضر الله امرأً سمع مني مقالةً فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع} وفي لفظ ابن حبان: {رحم الله امرأً سمع مني مقالةً فوعاها فأداها كما سمعها} نضرة ورحمة وعفوٌ من الله لمن سمع مقالة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن منا لا يحفظ الفاتحة من هذا الحضور؟! من منا لا يعرف الوضوء؟! من منا لا يعرف صفة الصلاة؟! ولكن الكثير في المناطق يجهلونها، من منا أنفق من ماله في الشهر اشتراكاً شهريا ًمن ماله الذي يصرف في البطون والجيوب وفي شراء السيارة الفخمة، والفلل البهية، والفرش الوفيرة ثم نذهب إلى الله ونتركها ولا تذهب معنا أبداً، والله يقول: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:٩٤] من منا أنفق من راتبه قدراً لإيصال دعوة محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للناس؟!
ألا إنه يقول عليه الصلاة والسلام: {لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم} أنا أعتقد اعتقاداً جازماً، وقد قاله كثير من العلماء أن من أدخل شريطاً إسلامياً في بيت من بيوت المسلمين فاهتدى أهل البيت أنهم في ميزان حسناته، وأنه هو السبب الأول في هدايتهم، وأنه هو المأجور، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من دل على خيرٍ فله مثل أجر فاعله} ويقول: {من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة} فهنيئاً للباذلين، وهنيئاً لمن دعا إلى نهج الله، وهنيئاً للمؤثرين، وهنيئاً لمن شارك بوقته، أو تدبيره، أو تخطيطه، أو ماله، أو رأيه، أو علمه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:١٦].