للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من أقواله وأفعاله رحمه الله]

يقول حبيب الجلاب: سألت ابن المبارك [[ما خير ما أعطي الإنسان؟ قال: غريزة عقل]] أن يكون عنده عقل-[[]] أي: إذا سلب الله بعض العقول، فكان عقله (٥٠%) أو (٢٠%) [[]] يقول: الذي ليس عنده عقل فالأحسن أن يكون عنده أدب أي: لا يتكلم؛ لأن بعض الناس سكوته أحسن من كلامه، وبعض الناس يعجبك حتى يتكلم، فإذا تكلم سقط، فالأحسن في مثل هذا أن يصمت.

كان أبو حنيفة جالساً فقدم عليه رجل عليه شارة وأبهة، وجمال ووسامة وعمامة، وكان أبو حنيفة ماداً رجله، فضم رجله وتهيأ لاستقبال الرجل، واستقبله وأجلسه بجانبه، وهابه واستحى منه، فسكت الرجل فكان أبو حنيفة يستحي منه ويتكلم معه بوقار، ثم بدأ الرجل يسأل ويتكلم -أنطقه الله الذي أنطق كل شيء- قال: يا إمام! متى يفطر الصائم؟ قال: أبو حنيفة إذا غربت الشمس، قال: فإذا لم تغرب إلا نصف الليل؟ -حلها الآن! سمعتم عن شمس لا تغرب إلا نصف الليل، فلماذا يأتي الليل إذاً؟! سبب مجيء الليل غروب الشمس- قال: فإذا لم تغرب الشمس إلا نصف الليل؟ فمدد أبو حنيفة رجليه الإثنتين وقال: [[آن لـ أبي حنيفة أن يمد رجليه]].

[[]] بعض الناس يوفق ببعض الإخوة يستشيرهم في كل قضية، وهذا من أحسن ما يكون لكن قل الناصح الآن، بعض الناس إذا استشرته في مشروع أشار عليك بعدمه حتى يستبقك إليه، إذا استشرته أن تتزوج زوجة قال: لا أرضاها لك، وإذا به قد تزوجها، وبعضهم تستشيره في سفر قال: والله أرى أنك لا تسافر، وهو يخاف أنك تحصل على هذا.

ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {الدين النصيحة} وقليل من ينصح، قليل من الناس من ينصح، حتى إنه أصبح كثير من الناس متهم في النصيحة، فيقول: [[]] وينبغي للمسلم أن يبحث عن رجاله من أهل العلم والعقل ومن أهل الزهد والتقوى ليستشيرهم في قضاياه العامة والخاصة؛ مثل الأمور الزوجية وأمور الطلاق والعشرة، حتى هذه لا بأس بالاستشارة فيها، فقد كان الصحابة يستشير بعضهم بعضاً، وكانوا يعرضون على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن بعض القرارات الخطيرة في حياتك تندم عليها عشر سنوات وأكثر بسبب موقف طارئ، أو عاطفة، أو عجلة، فمن الأحسن أن تعرض مشكلتك وتحلها على بصيرة بينك وبينه، ولا تستشر من هب ودب، فإن بعض الناس يشير عليك دائماً بما يخالف الصواب لقلة علمه، أو قلة عقله، أو تسرعه، أو هواه.

[[]] أي: ما وجد أخاً يستشيره، [[]] فالموت أحسن شيء لمثل هذا، قال ابن المبارك -واسمع المنهج في التجريح والتعديل، منهج تصنيف الرجال والحكم على الناس- قال: إذا غلبت محاسن الرجل على مساويه فلا تذكر المساوئ، وإذا غلبت المساوئ على المحاسن فلا تذكر المحاسن، أي: إنسان (٦٠%) صالح، أسقط (٤٠%) فلا تذكرها يكفي أنه تجاوز النصف.

ولذلك إذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث.

بعض الناس تستطيع أن تعدد سيئاته وتقول: فيه كذا وكذا، لكن بعضهم لا تستطيع أن تعدها لا في العبادة ولا في الأخلاق ولا في السلوك ولا في الصدق، ولا في الأمانة ولا في التعامل، ولا في المأكل ولا في المشرب، فنسأل الله أن يحفظنا وإياكم، وهذا المنهج الذي يقوله ابن المبارك هو منهج القرآن، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى في سورة الأحقاف: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:١٦].

هل علمت معصوماً بعد الرسول عليه الصلاة والسلام؟ ما من فاضل ولا عالم ولا زاهد ولا شريف ولا وضيع من المسلمين إلا وله سيئات وحسنات، لكن إذا زاد حسنه فهو الحسن، وإذا زادت مساوئه فهو السيء، هذا ما يقرره لك ابن المبارك في هذا المنهج، فحاول أن تتذكره دائماً في الحكم على الأشخاص وعلى الهيئات.

وقيل لـ ابن المبارك: إذا أنت صليت، لم لا تجلس معنا؟ قال: [[أجلس مع الصحابة ومع التابعين أنظر في كتبهم وآثارهم، فما أصنع بكم؟ أنتم تغتابون الناس]].

كان يفر من المجالس العامة، وإذا حضر مجلساً اندفع في الحديث يحدثهم قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام.

قال: ويقول رحمه الله: [[أول شيء من منفعة العلم أن يفيد بعضهم بعضاً]] أي: أنك تستفيد وتفيد، المجالس العلمية، الندوات والمحاضرات أن ينصح الناس بعضهم لبعض، وهم أفضل الناس، وجاء أن ابن المبارك [[سئل: من أحسن الناس؟ قال: العلماء، قال: فمن الملوك؟ قال: الزهاد، قيل: من الغوغاء؟ قال: خزيمة وأصحابه]] خزيمة رجل مبتدع وشرير، والغوغاء هؤلاء الذين ليس لهم عمل إلا تتبع الشائعات والحوادث وسد السيل وإطفاء الحريق، ويستبشرون بالحوادث.

الآن الحوادث المرورية إذا وقع حادث تجد الغوغاء ثلاثمائة في دقيقتين تجدهم واقفين وتجد أحدهم يبقى عند الحادث أو عند الحريق، ويبقى عند الزحام في السير وعند الطوارئ التي تحدث والشائعات ساعات طوال، يقول أهل العلم: رأى عمر رضي الله عنه وأرضاه رجلاً جُلِدَ من المسلمين، وإذا هو يمشى به إلى بيت عمر رضي الله عنه وإذا الناس وراءه كثير، الغوغاء الذين يسمعون بالمجلودين والحوادث، أي: كل الذي وقع في السوق يخبرك به، لأنه لا يقرأ ولا يسبح ولا يشتغل بنفسه، فقط معه الحوادث، فأخذ عمر حفنة من التراب وحثا بها على وجوههم قال: [[شاهت هذه الوجوه التي لا تُرى إلا في الشر]] يعني: لو دعوتهم في الخير لا يأتون، مثل المحاضرات والدورس العلمية واللقاءات التربوية والعبادات والجمع والجماعات.

[[قيل: فمن السفلة؟ قال: الذي يعيشون بدينهم]] الذي يعيش بدينه، هذا يسمى سافل أي: أنه يتظاهر بالدين ليعيش به، تجده يتقرب إلى الناس ليعيش بدينه، ويتقرب إلى الظلمة ليعيش بدينه، فيفتي ويتكلم ويمدح وينافق ويجامل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>