والإيمان -أيها المسلمون- سهل يسير لا يحتاج إلى كثرة تفكير، بل الإسلام بسيط قريب سهل:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر:١٧]{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج:٧٨]{طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}[طه:١ - ٢] فالإسلام سهل كما يقدمه صلى الله عليه وسلم، وليس هو كما يقدمه من في ذهنه شبهات عن صعوبة وتعقيد هذا الدين، وهم يلقون هذه الكلمات في الساحة.
في الصحيحين، عن أنس بن مالك قال:{كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم علينا رجل فعقل ناقته في طرف المسجد، ثم أتى يتخطى الصفوف، والرسول عليه الصلاة والسلام متكئ بين الصحابة، فأخذ الرجل يقول: أين ابن عبد المطلب؟ -أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهو ابن عبد الله، لكن يسميه بجده لشهرته بين العرب- قال الصحابة: هو ذاك الرجل الأبيض الأمهق المرتفق، فتقدم حتى وقف أمامه، والرسول صلى الله عليه وسلم متكئ على يسراه، قال: يا بن عبد المطلب.
قال: قد أجبتك، قال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، قال: سل ما بدا لك -ظن عليه الصلاة والسلام أن السؤال سهل في فرعية أو في جزئية، لكنه يسأل عن النجاة، ويسأل عن الأصول، ويسأل عن الدين- فرفع صوته وقال: يا رسول الله! من رفع السماء؟ قال: الله، قال: من بسط الأرض؟ قال: الله، قال: من نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ فتربع عليه الصلاة والسلام وقال: اللهم نعم -هذا أعظم سؤال في تاريخ الإنسان، وأعظم أطروحة في تاريخ البشرية- قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، قال: أسألك بمن رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بزكاة تؤخذ من أغنيائنا وترد على فقرائنا؟ قال: اللهم نعم -فأخذ يسأله حتى انتهى من أركان الإسلام- قال الأعرابي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، والله لا أزيد على ما سمعت ولا أنقص، أنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر، ثم يتولى ويفك عقال ناقته ويركب الناقة، فينظر عليه الصلاة والسلام ويقول: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا} ما أسهل طريق الجنة! وما أقرب الجنة! وما أسهل السلوك إلى الجنة! لكن أين الذي يريد الجنة؟
إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار
وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار
في جامع الترمذي ومسند أحمد عن معاذ قال:{كنت مع الرسول عليه الصلاة والسلام في غزوة -وعند أحمد في غزوة تبوك - قال: فاقتربت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: يا رسول الله! دلني على عمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار، فقال: يا معاذ! لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، يا معاذ! ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر: الإسلام، وعموده: الصلاة، وذروة سنامه: الجهاد في سبيل الله، يا معاذ! الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا عليه الصلاة والسلام: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[السجدة:١٦] يا معاذ ألا أدلك على ملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: كف عليك هذا؛ وأخذ بلسان نفسه، فقلت: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم} والحديث صحيح، ولا إله إلا الله ما أسهله وما أيسره! هذا الطريق، فأين السالك؟ ووضحت الجادة فأين المسافر؟ وفتح الباب فأين الداخل؟ فيا من عطاؤه ممنوح! ويا من بابه مفتوح! ويا من خيره يغدو ويروح! نسألك أن تدخلنا مع عبادك الصالحين.