يقول أحد الفضلاء: اجعل هم الرسالة في رأسك كالصداع، أتنسى الصداع؟ رجل مصدوع يخرج إلى السوق أينسى صداعه؟ أينسى رسالته؟ أية هامشية يعيشها هؤلاء الذين يعيشون لأنفسهم ولبطونهم ولسياراتهم؟ وأية تفاهة هذه؟ أتعرف عالم التفاهة وعالم الهامشية وعالم الضياع؟ إنه يشكل خارطة كبرى من العالم الإسلامي: خارطة الكرة، والبلوت، والسيجارة، والمقهى، والمجلة، والشريط الكاسيت، والفيديو، خارطة الضياع بأنواعه، والأغنية والمجون والسفه والسقوط، ولا يسقط العبد بهذه حتى يسقط من عين الله، يوم ينظر الله إليه فلا يجد في قلبه مدافعة، ولا يجد في قلبه حباً، ولا تأثيراً بأن يكون عبداً لله عز وجل، لأنه كما قال تعالى:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}[الأنفال:٢٣] لو علم الله في هذا الجيل، ولا أقصد هؤلاء الفضلاء، ولا هؤلاء الشرفاء، ولا هؤلاء الأخيار، لو علم الله في ذاك الجيل الضائع الهامشي أنه يريد الدعوة والصلاح والاستقامة والتأثير في الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليدخل جنة عرضها السماوات والأرض، وليبيض وجهه يوم تسود وجوه وتبيض وجوه، وليعلي كعبه، وليدخل رضوان الله، لو علم الله في هؤلاء خيراً لأسمعهم الرسالة، فوقعت في قلوبهم، فأحبوا لقاء الله، فدفعوا العرق والدم والمال والوقت وكل شيء في سبيل الله.
والله يقول عن أعدائه:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف:٥] وهذا الزياغ نسبي يزيغ به المنافق والكافر والفاسق، فالفاسق يزيغ، لأنه بدأ الزيغ فأزاغ الله قلبه، زاغ من المسجد إلى الملعب، وزاغ من المصحف إلى المجلة الخليعة، وزاغ من التلاوة الحقة والشريط الإسلامي إلى الأغنية، فأزاغ قلبه، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن أوليائه وأحبابه:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت:٦٩] تعبوا فينا، سهروا فينا، أعطوا فينا، تكلموا فينا، أنفقوا فينا، أي: من أجل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى؛ ولقد أحسن من قال:
ما أحسن الصبر الجميل بعاشقيك وأجملا
إن تحم عيني أن تراك جعلت قلبي منزلا
وحقك لو أدخلتني النار قلت للذين بها قد كنت ممن أحبهُ
وأفنيت جسمي في علوم كثيرة وما منيتي إلا رضاه وقربهُ
ثم يقول:
أما قلتمُ من كان فينا مجاهداً سيحمد مثواه ويعذب شربهُ
الشباب الآن، هؤلاء الألوف المؤلفة الذي يموت أحدهم وهو على كرة وتسلية وهواية، وحزبية لنادٍ على نادٍ، وتصفيق وزفير وشهيق، ثم يغسل ويكفن ويدفن، أية رسالة قدمها للأمة؟! أي جهد؟! هل كان طياراً؟! هل كان طبيباً؟! هل كان مهندساً مسلماً، داعية مؤثراً؟! أهذا الجهد من أجله خلقت السماوات والأرض؟! من أجله خلق الإنسان، من أجله خلف في الأرض! من أجله بعثت الرسل! أمن أجل هذه الهواية؟: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً}[المؤمنون:١١٥] عبث صور، وعبث نماذج، وعبث ميادين، وعبث العقول، أحدهم يبلغ الستين وهو ما زال طفلاً عابثاً! وأحدهم يكون طويلاً متيناً قوياً وهو عابث! وأحدهم يدرك ويفهم ويعقل وهو عابث! وأحدهم عنده شهادة ومال ومنصب وهو عابث! فأي عبث؟ أهي رسالة العبث أم رسالة الحق المتلقاة عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم؟