وأما أطرف موقف -حفظكم الله- فقد وقع العام الماضي وأنا في الحج، نزلت إلى المطار فركبت في سيارة أجرة، وكان قائدها رجلاً مسناً، عليه آثار سحونة الصحراء والأعرابية، فسألته من باب التعارف، وكان معنا أحد الإخوة من قحطان في المقعد الثاني واثنان من الإخوة المصريين عرفوني وعرفتهم، ولكن السائق لا يعرفني ولا أعرفه.
فقلت: من الأخ؟ قال: أنا جحلق -والجحلق لغة دارجة- قلت أنا: إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ثم قلت له: من أي قبيلة أنت؟ قال: أنا مطيري، ثم سرت أنا وإياه في الحديث، ثم سألني من أين أنت: قلت: أنا من الجنوب؟ قال: الجنوب شعوب وقبائل!! لكن من أين؟ قلت أنا: قرني؟ قال: أعائض القرني منكم؟ قلت: نعم.
فمشينا قليلاً ثم أتى بشريط في سيارته وشغله، والشريط كان لي وهو بعنوان:(ظالم من الدرجة الأولى) , يتحدث عن الحجاج وقتله لـ سعيد بن جبير، فقلت: لمن هذا؟ فقال: هذا لداعية من الدعاة في القصيم من بريدة، ثم أخذ يتكلم معي ورفع الشريط حتى أسمعه، ثم أخفضه، ويخبرني بالجملة التي سوف تأتي منها القصة، فقال: هذا الحجاج كان والياً في العراق، وكان أحد العلماء اسمه سعيد بن جبير، قلت: عجيب، ثم يرفع, ثم يخفض، ويقول: انظر! سوف يأتي الآن بالذهب له، ويغريه به، ثم يرفع، إلى أن قال: الآن اسمع الأسئلة، واستمر في الحديث حتى انتهى الشريط تماماًَ.
بدأت أكلمه ونسيت من نفسي أخذت أقص عليهم القصص في الطريق، فأخذ ينظر إلي وينظر إلى الشريط، وبعدما اقتربنا من بروازة مكة، قال: أنت!! صوتك!! فضحك زميلي اللذان كانا معنا، وقال: وصلت، فبدأ التعارف من ذلك الوقت، وأصبحت صداقة فيما بيننا.
العشماوي: قال عنك إنما هو من القصيم؟
القرني: يقول من القصيم، هذا يدلك على أن الأمة ليس عندها أمانة علمية.