للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[موت أبي ذر رضي الله عنه]

ثم عاد إلى الربذة، وأتاه الموت: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [العنكبوت:٥٧].

لكنه كان صافياً لم يتعلق من الدنيا بشيء، ما تولى إمارة ولا جمع مالاً، ولا عنده ذهب ولا كنوز، مثلما أخبرتكم هذا رأس المال عنده، وأتته سكرات الموت، فبكت امرأته، قالت: يا أبا ذر: بعد صحبة الرسول عليه الصلاة والسلام وصحبتك لـ أبي بكر وعمر تموت وحدك في الصحراء، فالتفت إليها، قال: لا عليك، أن أموت وحدي، إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أني أموت في الصحراء، وسوف يشهدني عصابة من المؤمنين، وهذا أمر الله، ثم أوصى وودع الحياة باسماً راضياً عن الله، وهو يحمل المنهج الرباني: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:٢٧ - ٣٠].

وفي حديث الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {رحمك الله يا أبا ذر تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك} وذكر ابن حجر هذا الحديث في الإصابة ورواه البخاري في الكبير وغيره، ولكنه ضعيف، لأن في سنده بريدة بن سفيان ضعفه أهل العلم.

وسياق الحديث أن أبا ذر رضي الله عنه تخلف في معركة تبوك، وأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يحمل متاعه وحده، قال: {رحم الله أبا ذر، يعيش وحده ويموت وحده ويبعث وحده} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، والحديث كما قلت ضعيف.

مات وحده في الصحراء، وأتاه عصابة من المؤمنين، يقول الذهبي وأمثاله: كان منهم ابن مسعود، فلما مات وغسل وطيب وكفن وضعه أهله على قارعة الطريق، وأتى ابن مسعود من العراق يريد المدينة، فرأى الجنازة على الطريق، فأخذ يولول ويبكي، ويقول: واحبيباه! ووا أبا ذراه! ثم قال: صدق حبيبي صلى الله عليه وسلم: تموت وحدك، وتعيش وحدك، وتبعث وحدك.

شيعوه، وصلوا عليه، ودعوا له، وذهب إلى الله، ولكنه بقي في أرواحنا، وبقي في قلوبنا، وبقي في تاريخنا، بزهده، بصدقه مع الله، بإخلاصه في الدعوة، بجهره بالحق، بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، بحمله للقرآن، بتشرفه بحمله للسنة، بثباته، بصبره، بكل خصلة جميلة.

إنه قدوة للجيل، إنه أستاذ في هذا الفن، ولعله يكون كتاب فيه يتكلم عن نظرياته في الاقتصاد، وفي العلم، وفي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفي الحياة والتربية، غفر الله له، وجمعنا به، وسلام عليه يوم أسلم، وسلام عليه يوم جاهد، ويوم مات، ويوم يبعث حياً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>