للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[واجب الدعاة]

إن الصحوة الحقيقية تبنى على العلم النافع، وعلى الفقه في الدين، أما أن يبقى الناس في البوادي على خرافة وفي المدن على تعاسة، فهذه صحوة مشكوكٌ فيها، فليعلم إن شاء الله أن الأمة بخير، وأن واجبنا أن نجلس للناس، وأن نعلم الناس، ولا يستصغر أحدنا نفسه، بعض الناس يأتيه توجيه من الله وتوفيق ويقول: سوف أجلس للناس وأدرسهم هذا الكتاب، في بادية في قرية في حارة، في مدينة، فيأتي الشيطان اللعين، ولذلك يقول بعض المفكرين من الدعاة: الشيطان ثبت لدينا أن عنده شهادة دكتوراه في علم النفس، إذا أتيت من اليمين أتى بك من اليسار، فإذا صممت أن تجلس للناس جاءك، وقال لك بتلطف: من أنت حتى تجلس؟ أأنت الشيخ ابن باز؟! أأنت ابن عثيمين؟! يا فلان رحم الله امرأً عرف قدر نفسه، اجلس في بيتك وتفقه في الدين حتى تبلغ أربعين سنة، وإن تخرجت من الثانوية فادخل الجامعة حتى تأخذ الشهادة، وإذا تخرجت من الجامعة فخذ الماجستير، وإذا أخذت الماجستير فخذ الدكتوراه وتصبح أستاذ مشارك حتى يسمع الناس كلامك، وهذه خطة ماسونية، يبقى الإنسان يحضر في بيته، ويكتب مذكرات، ويقابل بين نسخة بولاق ونسخة دار الشروق، والأمة ضائعة وكل إنسان يأتي ويتخرج وعنده العلم حتى والله الذي عنده الكفاءة يستطيع أن يدرس في البوادي عندنا، وليست المسألة بالطنطنة، ضاعت الأمة ونحن نراجع حساباتنا وشهاداتنا ونعلقها براويز في البيوت، والكتب ما شاء الله امتلأ المجلس وملأنا المكتبة من المجلدات والمؤلفات والقصص، وبعد الأربعين يموت الإنسان، وينقل إلى القبر، وما سمع الناس منه شيئاً، ويضيع الناس، ولذلك الأمة ليست بحاجة لكثرة الترف العلمي.

يروي الخطيب البغدادي أن الخليل بن أحمد النحوي الذكي الذي بلغ من ذكائه أنه أتى بخمسة عشر بحراً للعروض، رُئي في المنام، قالوا: ما فعل الله بك؟ قال: ذهبت بحور العروض والله ما نفعتني شيئاً، وذهب النحو ما نفعني شيئاً، قالوا: ماذا نفعك؟ قال: نفعتني سورة الفاتحة كنت أعلمها لعجائز عندنا في القرية.

إن تعليم الفاتحة لبادية من البوادي، أو لعجائز، أو لشيخين كبيرين؛ ضمينٌ أن يرفعك الله عز وجل به حتى تصير كالكوكب الدري في الجنة.

ولذلك يأتي يوم القيامة كثير من الناس يحملون شهادة الدكتوراه، فيقول الله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات:٢٤ - ٢٥] فليست المسألة مسألة مظاهر؛ فالشكوى إلى الله عز وجل من حالنا، وما وصلنا إليه، حتى وجدت شركيات في بعض النواحي، وعندنا صور ومستندات وزعت حتى عند كثير من الوجهاء والدعاة والعلماء في هذه المنطقة، صور أناس علقوا شاة بشجرة وهم يتقربون بهذه الشاة إلى هذه الشجرة، وصور أناس علقوا تمائم على القبر، وصور أناس يطوفون بقبر، وهذا موجود في هذه النواحي، فهل بقي أن نجلس في بيوتنا ونقول ما بقي عندنا علم، أصغر واحد، حضر في هذا المجلس يستطيع أن يغطي البوادي والقبائل والقرى، وأن يعلمهم الأمور المهمة في الدين، لأن البوادي والقبائل والناس لا يسألونك عن ابن لهيعة هل هو قوي الرواية أم لا؟ ولا يسألونك عن مستدرك الحاكم، ولا يسألونك عن مدريد وأين تقع، ولا يسألونك عن استراتيجية الدعوة وديكتاتورية المبدأ، وهذه الكلمات الرنانة، إنما يسألونك عن الفاتحة، وعن التحيات، وعن (قل هو الله أحد) وكيف نتوضأ، وكيف نتيمم.

شيخ كبير كتب يقول: أنا قدمت من البادية وعندي بعض الناس، قال: وأنا لا أدري إلا اليوم أن الإنسان إذا جامع امرأته يغتسل للجنابة، فكنت أصلي ولا أدري أن عليَّ غسلاً للجنابة، سبحان الله! أربعين أو خمسين سنة يعيشها، ولا يدري أن المجامع يغتسل من الجنابة، ذنب من هذا؟!

فالله الله في الدعوة إلى الله، والجلوس للناس وتعليمهم.

نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتغمدنا وإياكم برحمته، وأن يرزقنا وإياكم الصدق والإخلاص إنه سميع قريب مجيب الدعاء، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>