للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تذكر الموت]

أخيراً: أذكر أولئك الشباب بالموت قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:٨].

عمرو بن العاص الفاتح المسلم والداهية العظيم، في سكرات الموت، في ساعة الصفر قال له ابنه عبد الله: [[يا أبت! أسألك بالله أن تصف لي الموت، فقد أصبحت أنت في الموت، في ساعة لا تكذب فيها، قال عمرو: والله يا بني لكأن جبال الدنيا أصبحت على صدري، وكأني أتنفس من ثقب إبرة]].

وقال عمر بن الخطاب لـ أبي بن كعب: [[أسألك يا أُبي أن تصف لي الموت، قال: يا أمير المؤمنين! مثل الموت كشجرة كثيرة الشوك في جوف ابن آدم، فليس منه عرق ولا مفصل، وهو كرجل شديد الذراعين، فهو يعالجها وينتزعها، فلا تبقى شوكة إلا انتزعت عرقاً أو مفصلاً حتى تخرج كل شوكة بعرق، فبكى عمر حتى كاد يغشى عليه]].

الموت صعب! السكرةُ الواحدةُ منه تعادل ما يضرب به إنسان سبعين ضربة بالسيف، محمد عليه الصلاة والسلام أبر الناس: لما حضرته سكرات الموت كان يقول: {لا إله إلا الله! اللهم هون علي سكرات الموت، اللهم خفف علي سكرات الموت} أنا أذكر أولئك الذين يجلسون الآن في المقاهي والمنتزهات، الآن يلعبون البلوت، الآن مع الأغنية، ومع المجلة، ومع الضياع، أذكرهم بالموت، فإذا لم يتذكروا فلن يتذكروا أبداً، خوَّف الله حتى اليهود بالموت، وقال: {فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة:١٠٦] {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠].

هُوَ الموتُ ما منه ملاذ ومهرب متى حط هذا عن نعشه ذاك يركب

نؤمل آمالاً ونرجو نتاجها لعل الردى مما نرجيه أقربُ

ونبني القصور المشمخرات في الهوا وفي علمنا أنا نموت وتخربُ

كان سفيان الثوري إذا ذكر الموت مات كل عضو منه في جهة، وبعض الصالحين حفر له قبراً يراه كل يوم ليتذكر الموت، دخل بعض الصالحين على بعض السلاطين الظلمة فأراد أن يبطش به قال: أذكرك الموت فوقف، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {أكثروا ذكر هاذم اللذات، فما ذكر في كثير إلا قلله، ولا في قليل إلا كثره} آخذ البنين والبنات، مفرق الجماعات، مهدم البيوتات.

أنا أذكر أولئك الشباب ألا يغتروا بالصحة ولا بالسيارة ولا بالفلة، ولا بالوظيفة، أذكرهم بالموت، وكل يوم نحمل شباباً إلى القبر، ونصلي على مجموعة من الشباب، ونسمع أخبار حوادث السيارات، وهي تلقي بأولئك الشباب أقوياء الأجسام، خرجوا من بيوتهم، جيوبهم مليئة بالدراهم والقروش والدنانير، وبطونهم مليئة بأنعم الله، خرجوا وهم يغنون ويطبلون ويرقصون، وعادوا جثثاً إلى بيوتهم، افترستهم الحوادث، فأصبحوا شذر مذر، فلا استطاع أحد منهم أن يقدم أو يؤخر أجله ساعة، ولا يعود ليستأذن والدته ووالده ولا يقبل أهله {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام:٦٢].

خرجوا بساعات في أيديهم، وبملابس جميلة، وخرجوا بعطورات، وخرجوا في شخصيات وبهيئات، وخرجوا ببزات، ثم سلبوا كل ما خرجوا به، ثم حفر لهم في الأرض حفرة، وغسلوا بالماء، وأْرِجوا في قطعة قماش: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:٩٤].

أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر

وأين المذل بسلطانه وأين العظيم إذا ما فتخر

تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً ومات الخبر

فيا سائلي عن أناس مضوا أمالك فيما مضى معتبر

تروح وتغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور

أسأل الله أن يغفر لنا ولمن مات من أموات المسلمين، وأن يرد شباب المسلمين رداً جميلاً.

اللهم رد شباب المقاهي إلى المساجد، وشباب المنتزهات إلى الصلوات، وشباب النوادي إلى نوادي الحق والعلم والذكر، اللهم رد العابثين صالحين، ورد المفسدين مصلحين، اللهم ارحمهم بالتوبة النصوح، اللهم وفقهم للعمل الصالح، اللهم ائتنا بهم في مجالس الخير والعلم والطهر والعفاف، اللهم أنقذهم من الظلمات يا رب العالمين، واجمعنا في دار الصالحين في دار الكرامة يا أرحم الراحمين!

أخوة الإيمان! في ختام هذه المحاضرة أرجو أن تكون رسالة تبلغ أولئك مع حبي وأشواقي، وسلامي ودعائي لهم في ظهر الغيب، وأشكر بالمناسبة الذين كتبوا لي رسائل واقتراحات وشاركوا في هذا الموضوع باقتراحاتهم وإرشاداتهم ببعض الملامح، وتحمسوا لهذا الموضوع الحار أشكرهم، وأسأل الله أن يثيبهم على ما فعلوا.

أخ في الله قدم لي رسالة، كنى نفسه أبا البراء، أشكرك يا أبا البراء! وأسأل الله أن يكتب لي ولك وللحضور براءة من النار، أشكرك على رسالتك، وأنا أتيت على أسفلها في المحاضرة، وهو يشكو من ضياع الأوقات عند الشباب ومن اهتمامهم بالمظهر على حساب المخبر، ومصاحبتهم للأشقياء، ومن هممهم الرخيصة التي لا تعدو عن الرياضة، وعالم الفن، وعالم الصور، وعالم الأزياء، وعالم الموضات الجديدة، أشكرك شكراً جزيلاً، وقد أتيت في المحاضرة على ما ذكرتَ.

<<  <  ج:
ص:  >  >>