للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الواقعية]

من معالم مدرسة أهل السنة والجماعة أنها واقعية لا تجمح في الخيال!! فهي تخاطب الناس بالواقع، وتحل مشكلات الناس التي يعيشونها، وأنا أنصح إخواني طلبة العلم ألا يتكلفوا في المسائل التي لم تقع، قال ابن عباس لمولاه عكرمة وكان يفتي الناس: [[لا تفت الناس إلا في مسائل وقعت، فإنك إذا فعلت ذلك وضعت عنك نصف الكلفة]].

وأنت تجد كثيراً من الناس يفترضون افتراضات في أسئلتهم، وبعضهم يدخل في استشكالات واستفسارات لا تخصه، كبعض الناس يسمع أن رجلاً في الحارة طلق زوجته؛ فيذهب هو ويتبرع إلى العلماء، ويقول: رجل طلق زوجته وهو مغضب، ما حكم ذلك؟ فقيل له: أنت طلقت زوجتك؟

قال: لا.

فقيل: من؟

قال: رجل في الحارة.

وما دخلك برجل في الحارة؟!

وكثير من الناس يتحمل أسئلة الناس وهمومهم!

أيضاً: من المسائل الافتراضية التي كثر فيها الرد ما يُكتب في الصحف كثيراً، وأنا رأيت اثنين ممن يعدون أنفسهم في القمة الفكرية، ويسمون النخبة المثقفة، يتكاتبون في مسألة جدة، هل هي جِدة أو جَدة أو جُدة؟!

يا أخي جِدة وإلا جَدة فهذا سواء، ولا يسألنا الله يوم القيامة عن الفتح والكسر والضم في جدة.

وجازان أو جيزان وسوق عكاظ كم يبعد عن مجنة ثلاثة كيلو أو أربعة كيلو؟

وهل سوق عكاظ ثابت في الجزيرة؟

فألفوا مجلداً أن سوق عكاظ ثابت في الجزيرة العربية أثابهم الله؛ لأنهم لو لم يفعلوا ذلك ظن الناس أن سوق عكاظ في الأرجنتين أو في البرازيل.

وأخبرونا أيضاً أن أبرهة الأشرم قدم من جبال السروات ومر؛ لكن اختلفوا هل أتى من تهامة أو أتى من السراة.

ولا يزالون يؤلفون ويكتبون وسوف يرسمون لنا خطاً للفيل!

يا هذا! أهلك الله الفيل وأهلك أبرهة والعبرة: أن الكفر اندحر والتوحيد انتصر، لا تشغل الأمة ولا تشغلنا، الكفرة يصنعون صاروخ أرض جو، وجو أرض، وأرض أرض، وجو جو، وأنت تخبرنا عن الفيل من أين أتى!

أيضاً مما وقع فيه كثير من الغثائيين وأنا أحترم المفسرين؛ لكن وجد في بعض كتب التفسير: أتوا إلى كلب أهل الكهف، ذكر الله في القرآن أنه كلب {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف:١٨] ولو كان هناك فائدة من ذكر لونه لذكره الله، قالوا: مبرقش على عينيه نقطتان حمراوان لله درهم!

وقال آخر: لا، بل هو أسود، وقال الثالث: خطأ بل هو أبيض.

أبيض أو أسود المهم أنه كلب.

وفي قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة:٢٦٠] أربعة من الطير، العبرة أنه يقتل طيراً ويحييه الله تعالى وهو على كل شيء قدير.

قالوا: معناه: خذ بطاً وإوزاً -هذا في زاد المسير عودوا إليه وفي غيره من الكتب- وحماماً ودجاجاً، قال الآخر: لا.

الدجاج لم يذكر وإنما هو غيره، لم يذكر الله هذه ولسنا في حديقة حيوانات، فلا نشغل الأمة بهذه المسائل.

أيضاً يوجد كتيبات عن أدنى الأرض هل غور الأردن أو جزيرة العرب؟

يا أخي! عندنا مسائل عظمى من توجيه الجيل وتربية النشء وطرد الشرك والسحر والوثنية، وإقامة الأمة على ملة سمحاء، وتحرير الإنسان من رق العبودية لغير الله.

بعثنا هداة مبشرين، ننقذ الإنسان ونخرجه من الظلمات إلى النور، هذا هو المطلوب في هذه المدرسة، فهي لا تجمح إلى الخيال.

عمر رضي الله عنه سائل: قال عمر: هل وقعت المسألة؟

قال: لا.

قال: دعها حتى تقع، فإذا وقعت تجشمنا جوابها.

وذكر الدارمي بسنده: أن صبيغ بن عسل تعلم سوراً من القرآن ثم ذهب إلى الصحابة في المجالس، وفي الجيش يقول: كيف يقول الله عز وجل: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} [المرسلات:١] ويقول: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} [الذاريات:١] ويقول: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً} [النازعات:١] اجمعوا لي بين هذا الكلام، وكأن الرجل يريد أن يشكك، قالوا: لا نستطيع؟ الذي يجمع لك هذا هو عمر بن الخطاب، وهو الذي سيجمع أضلاعه لا يجمع له الأقوال، فأتوا به إلى عمر، فقال عمر: عليَّ بجريد النخل؛ لأن هذا دواء لا يخرج إلا من صيدلية الفاروق، فأتوا بجريد النخل الأخضر فرشَّه بالماء، ثم أمر به، فلما رآه، قال: والله لا يحول بيني وبينه أحد فبطحه.

كل بطاح من الناس له شهم بطوح

فضربه حتى فقد وعيه! فاستفاق الرجل، وقال: يا أمير المؤمنين! إن كنت تريد شفائي فقد برئت -والحمد لله- وإن كنت تريد قتلي فاقتلني قتلاً جميلاً.

الآن برئ وعرف السنة، وعرف المنهج الرباني، تخرج من مدرسة أهل السنة والجماعة بتقدير ممتاز!! وبعض الناس يحتاج إلى مثل هذا التأديب؛ لأن الحجة -أصلاً- لا تنفعه، حجة الله بالغة لكن لا تنفعه؛ لأن في قلبه هوى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>