[هدي السلف في الجد في العبادة]
كان الأسود بن يزيد يجهد نفسه في العبادة, فقد صام حتى اصفر جسمه.
على أنني لا أطلب منكم أن تقتدوا بأحد إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأقول لكم: إن سيرة العلماء والدعاة والعباد والزهاد تعرض على سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن وافقت فبها ونعمت، وإن لم توافق لم نقبلها ولم نأخذ بها، وهؤلاء ليس المقصود الاقتدء بهم فإنا أضعف من ذلك، ولكن انظر إليهم في الجد، فإن بعضهم صام أربعين سنة سرداً، وبضعهم كان يصلي في اليوم ثلاثمائة ركعة، وبعضهم بكى حتى أخذت الدموع خطين أسودين في خده, فهنا درس عظيم نأخذه أنهم كانوا أهل جد.
إذا علم هذا, فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: {لكل عمل شرة ولكل شرة فترة, فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى} وهو حديث صحيح, والمعنى: أن العامل يعمل أولاً بجد, تأخذه حدة في العبادة ولكنه يفتر بعدها.
فوصيتي للشباب: أن يلاحظوا أنفسهم، فلا يزيدوا في العبادة على السنة، فتلقي بهم إلى العطل والخمول والبطالة، لكن عليهم بالتسديد والمقاربة، وعليهم بالمداومة على منهج النبوة منهج محمد صلى الله عليه وسلم, قال ابن القيم: تخلل الفترات أمر لازم للعبد, فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد, لم تخرجه من فرض ولم تدخله في محرم رجي له أن يعود خيراً مما كان.
وقال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[إن لهذه القلوب إقبالاً وإدباراً, فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإذا أدبرت فألزموها الفرائض]].
إخوتي في الله! كلٌ منا يسأل نفسه: أما يمر بك يوم وأنت نشيط في العبادة تحب صلاة الجماعة, وتحافظ على النوافل, وتقرأ في اليوم الجزءين والثلاثة, ثم يمر بك يوم وأنت خامل لا تستطيع أن تؤدي الفريضة, ولا تقرأ في اليوم إلا ربع حزب أو أقل من ذلك؟ هذه مسيرة من قديم، وشنشنة نعرفها من أخزم! ومن يشابه أبه فما ظلم!! لكن أوصي نفسي وإياكم أنّ من تشجعت نفسه وطابت عزيمته؛ أن يكثر من النوافل، ومن خمدت نفسه أن يلزم نفسه الفرائض، فلا يترك فريضة ولا يرتكب محرماً، ففي الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه}.