وأما قوله:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}[التوبة:٤٣] فهو رفع العتب، فالرسول صلى الله عليه وسلم اعتذر المنافقون عنده فصدقهم عليه الصلاة والسلام وقَبِل ظاهرهم، فقال الله:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ}[التوبة:٤٣] قالوا: رفع للعتب، يعني: لا نعتب عليك:
إن جرى بيننا وبينك عتبٌ وتولتْ بنا عليك قصار
فالدموع التي عرفت كثار والدموع التي صحبت غزار
فالمعنى: عفا الله عنك لا نعاتبك، أما العقاب، فالرسول صلى الله عليه وسلم بعيد منه؛ لأن الله يقول:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً}[الفتح:٢] إنما لا نعاتبك، لأنه ورد:{عَبَسَ وَتَوَلَّى}[عبس:١] وهذا عتاب، وأما في المنافقين فقال:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ}[التوبة:٤٣] قال أهل التفسير: والملحة في الجملة -يعني: الطريف في الجملة- أنه قدم العفو قبل أن يتكلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان أحد القراء يقرأ ويبكي فيقول:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ}[التوبة:٤٣] ثم يقف، ثم يقول:{لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}[التوبة:٤٣] ولو نزل جبريل فقال للرسول صلى الله عليه وسلم: {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}[التوبة:٤٣] لخاف الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قال:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ}[التوبة:٤٣] فما يأتي بعدها سهل، فقال:{لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}[التوبة:٤٣] هذا هو الوجه البلاغي والملحة في الجملة.
وأما قوله:{اللهم إني أسألك العفو والعافية} فإنه من أفضل الدعاء، وهو من جوامع الدعاء، وهناك دعاءان اثنان أوصي نفسي وإياكم بهما، الأول:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[البقرة:٢٠١] والثاني: {اللهم إني أسألك العفو والعافية} فهما يجمعان المحاسن.