للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ترجمة رجال السند]

أولها: من هو قتادة وأنس، وما مقصودنا أن نترجم ترجمة كما هو المعهود في الوفيات، وماذا أكل العالم وشرب؟ وماذا أفطر وتغدى؟ كم عنده من الأولاد والبنات؟ يقول محمد إقبال كما في روائع إقبال للندوي:-

إن هذه التراجم تميت القلوب، وفيها فوائد لكن إذا بقيت المسارات على هذه المسارات أن تسجل بهذه الأمور المحددة، فليس في الأمة انبعاث ولا روح.

قتادة بن دعامة السدوسي مولى من الموالي من حفاظ الكوفة الكبار، جلس عند سعيد بن المسيب شهراً كاملاً، فقال لـ ابن المسيب: أسمعني ماذا تحفظ من القرآن؟

قال: خذ مصحفك، قال ابن المسيب: فوالله لقد تلا علي سورة البقرة ما أسقط حرفاً واحداً وما رددته في كلمة، فقال ابن المسيب: حفظك يا قتادة كالسحر.

ولكن من طرفة الذهبي في سير أعلام النبلاء يقول: أقام قتادة عند سعيد بن المسيب ثلاثة أيام، وكان سعيد رجلاً فقيراً، قال: يا أعمى! اخرج أفقرتني.

وهذا وارد لأن دخل سعيد بن المسيب كان سهلاً بسيطاً، عشرين درهماً في الشهر من زيت يتمول به، وهو سيد التابعين، وكلمته تهتز لها الخلافة في دمشق، ولكنه ما رضي أن يتمندل به وأن يباع في سوق المزاد، فرضي بالزيت وكسر الخبر كما قال الزبيري:

خذوا كل دنياكم واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا

فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا

يقول الذهبي في ترجمة قتادة: كان فيه شيء من البدع، أي: التشيع اليسير، قال: ولكنها منغمرة في بحار حسناته، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث.

بعض الناس له سيئات بسيطة لكنها منغمرة في بحار حسناته، فلا ننسى هذه البحار ونأتي إلى السيئات فنبينها للناس.

أين الحسنات أين قدم الصدق، أين البذل والعطاء، إن الناس يقومون بميزان الله قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:١٦].

ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

فالمقصود أن هذا الرجل كان قدرياً، لكن لا يضره بحمد لله، روى عنه البخاري ومسلم، وكان حافظاً جهبذاً متقياً لله عز وجل من أكابر المفسرين.

مولى لكن ما اعترف محمد عليه الصلاة والسلام بالتفرقة العنصرية في دستوره كما قالها نابليون وهتلر أعداء الإنسان وقتلة الإنسان.

الموالي علماء وقادات الأمة، وبلال قصره في الجنة كالربابة البيضاء، وأما أبو لهب ففي نار ذات لهب، لأن هذا تلعق بالنسب فانقطع من حبل الله، وذاك أتى من الحبشة بمفتاح (لا إله إلا الله) ففتحت له الجنة، قال عمر: [[أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]] ولو طلب من عمر أن يقول هذه الكلمة في الجاهلية ما قالها ولو قطع رأسه، ما كان ينظر إلى بلال، لكن لما دخل القرآن قلبه قال هذه الكلمة.

عن أنس خادم الرسول صلى الله عليه وسلم، وله هذا الشرف العظيم، وأيامه ثلاثة، يقول: يوم لا أنساه في حياتي، وهو يوم: قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة، فو الله الذي لا إله إلا هو ما كنت أظن أن أحداً يبكي من شدة الفرح، حتى رأيت الأنصار يبكون من شدة الفرح بقدوم الرسول عليه الصلاة والسلام.

طفح السرور علي حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني

واليوم الثاني: يوم أتت به أمه هدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه أم سليم لها قصر في الجنة كالربابة البيضاء، يقول صلى الله عليه وسلم: {دخلت الجنة البارحة فرأيت الرميصاء} والرميصاء هي أم سليم، زوجة أبي طلحة، تزوجها على الإسلام، فإنها اشترطت عليه أن يُسلم فأسلم، فكان مهرها أعظم مهر في تاريخ البشرية، ولما أتى صلى الله عليه وسلم أتت بـ أنس فغسلته وألبسته ثيابه وعطَّرته، وقدَّمته إلى سيد البشر صلى الله عليه وسلم، قالت: يخدمك يا رسول الله ادع الله له، قال: اللهم أطل عمره، وكثَّر ماله وولده، واغفر ذنبه، فأما عمره فطال حتى نيف على المائة، لكنه عمر مبارك، لا كأعمار بعض الناس يقضيها مائة لكنها في لهو وهذر ومذر لا تجدي في ميزان الحق، إن لم ترفع به في ميزان الباطل.

وأما ماله فكثر، وكانت مزرعته في البصرة تنبت في السنة مرتين، والنخلة لا تطلع إلا مرة واحدة، كان شذى ريح المسك يهب على البصرة، فقحطت هذه المزرعة فجلس بجانبها يستغفر، قالوا: مالك؟ قال: يقول الله عز وجل على لسان نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً} [نوح:١٠ - ١١] فنزل الغيث مدراراً على مزرعته، وما أصابت قطرة خارج المزرعة.

وأما غفران الذنب؛ فهي دعوته صلى الله عليه وسلم عند الله، خدم المصطفى صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، قال: والله ما قال لي في شيء فعلته: لم فعلته؟ ولا في شيء لم أفعله: لمَ لم تفعله؟ وأي خلق هذا الخلق؟!

وأما يومه الثالث: فيوم فارق المصطفى صلى الله عليه وسلم وودعه، وقال: {صلينا الظهر يوم الخميس، فرفع رسول صلى الله عليه وسلم ستار غرفته، فرأينا وجهه كأنه ورقة مصحف، فما رأيت وجهه بعد تلك المرة إلى الآن} ولكن سوف يراه يوم القيامة إن شاء الله:

بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا

إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا

<<  <  ج:
ص:  >  >>