للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المؤمنون يدخلون الجنة برحمة الله وتكون منازلهم بحسب أعمالهم]

المسألة الثانية عشرة: وهي تفاضل الناس في الجنة بأعمالهم: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف:١٤].

وهنا سؤال قبل الدخول في هذه القضية، وهو هل يدخل الناس الجنة بأعمالهم أم برحمة الله؟ فالله عز وجل يقول: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:٧٢] فكيف نوفق بين هذه الآية وبين قوله صلى الله عليه وسلم: {لن يدخل الجنة أحدٌ بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتداركني الله برحمته} فكيف يجمع بين الآية والحديث.

و

الجواب

أن بعض العلماء ذهب إلى أن الباء هنا سببية، ليست بباء العوض، فباء العوض كأن تقول: أعطاني القلم بريال.

فيكون المعنى: أي أن من الأسباب التي أدخلتكم الجنة أعمالكم، وهذا رأي لبعض أهل العلم، وهو رأي قوي، لكن ذهب ابن القيم إلى قول وسط وهو أنهم يدخلون الجنة برحمة الله وتتوزع عليهم الدرجات والمنازل بأعمالهم، وهذا رأي أحسن من القول الأول.

بالله لفظك هذا سال من عسلٍ أم قد صببت على أفواهنا العسلا

لأنه لو حملناها على السببية لقلنا: الناس كلهم يدخلون ويبقون في درجة واحدة، فلماذا يرتفع هذا مائة درجة وهذا خمسين درجة، فاقتضى أن ابن القيم يحمل هذا الحمل الممتاز، وهذا الرأي الصحيح الفصيح الذي ما سمع بمثله، فيدخلون الجنة برحمة علام الغيوب أرحم الراحمين، ولكنه يوزعهم في الدرجات بأعمالهم.

وهذه المسألة هنا المسألة الثانية عشرة: فضل الناس بأعمالهم، وجه الاستدلال من الحديث هو أنه من أتى في الساعة الأولى، ليس كمن أتى في الساعة الخامسة، فليس فضل الناس بمناصبهم أبداً، كأن يأتي المسئول قبل دخول الإمام بلحظات، فهذا ليس له أجر المبكر، فالتفاضل عند الله عز وجل بالأعمال لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عمم على الناس، وما جعلها على الصفات، كأن يقول: من جاء من العلماء أو من الصلحاء أو من الدعاة، أو من الأغنياء أو من الفقراء، وإنما قال من جاء أو من راح، فعممها صلى الله عليه وسلم، فاقتضى أن التفاضل بالأعمال.

<<  <  ج:
ص:  >  >>