[تعريف بعمر بن الخطاب]
قال الشيخ عبد الوهاب الطريري حفظه الله في مقدمة المحاضرة:
الحمد لله على نعمائه، والشكر له على آلائه، وصلاته وسلامه على أفضل خلقه وأشرف أنبيائه، ثم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيا عمر الفاروق هل لك عودةٌ فإن جيوش الروم تنهى وتأمر
يحاصرنا كالموت ألف خليفة ففي الشرق هولاكو وفي الغرب قيصر
تأخرت يا أغلى الرجال فليلنا طويلٌ وأضواء القناديل تسهر
سهرنا وفكرنا وشاخت دموعنا وشابت ليالينا وما كنت تحضر
دخلت على تاريخنا ذات مرةٍ فرائحة التاريخ مسكٌ وعنبر
أتسأل عن أعمارنا أنت عمرنا وأنت لنا الفاروق أنت المحرر
تضيق قبور الميتين بمن بها وفي كل يومٍ أنت في القبر تكبر
نحن الليلة على موعدٍ مع رحلة تخترق حقب الزمن, وترفع حجب التاريخ، لنفضي إلى ساح شريف ورحابٍ منيف، إنه رحاب الإمام العبقري، والمحدث الملهم الفاروق عمر؛ لنرى رجلاً عظيماً بفكره عظيماً بأثره عظيماً بخلقه عظيماً ببيانه عظيماً قبل ذاك بإيمانه، إنه العبقري الذي جمع العظمة من أطرافها.
نفضي إلى ساحه لا لنقيم مأتماً في ذكراه، ولكن لنستكشف مواضع العبرة من سيرته، ومواقع القدوة من شخصيته، لأن أمتنا المعطاءة، لم ولن تعقم أن تدفع من يعيد سيرته، ويقفو طريقته.
أما قائد هذه الرحلة وربانها فهو العالم، بل الداعية، بل الأديب، بل الأريب، بل كل ذلك وأكثر من ذلك، إنه صاحب الكلمة التي تسمعها فيتراءى لك صدق اللهجة, وحرارة الإخلاص, ووضاءة الحق, ونور الحقيقة.
يحملنا ربان هذه الرحلة على جناح الكلمة المشرقة، والعبارة المتألقة، فإذا المعاني شاخصة، والحقائق ناطقة، فيا أبا عبد الله هذه الآذان قد أنصتت فصافحها بكلمتك، وهذه الأبصار قد نظرت فعانقها بطلعتك.
فقم حادث الدنيا كأنك طارقٌ على بركات الله يرسو ويبحرُ
قال الشيخ عائض القرني: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين, وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن سار على منهجه إلى يوم الدين.
أيها الكرام أيها الموحدون يا أبطال العاصمة حياكم الله!
أهلاً وسهلاً والسلام عليكم وتحية منا تزف إليكم
أحبابنا ما أجمل الدنيا بكم لا تقبح الدنيا وفيها أنتم
قمت وأنا -والله- كالمتحير, ما ظننت أن هذا الخطيب سوف يوقفني في هذا الموقف المدهش، وأنا أجعله أستاذاً وشيخاً لي، وأعلم من قدراته وفضله ما ليس فيَّ، ووالله! ما أتيت أكيل له المدح هاء وهاء ويداً بيد، لكن من باب أن يعرف الفضل لأهله، فهو رائدٌ من رواد الصحوة، وشيخٌ من شيوخ البلاد، أقولها كلمة وأنا مسئول عنها، وأما ثناؤه عليَّ فأنا أعرف بنفسي, وأسأل الله أن يغفر لي ما لا يعلم.
أيها الأخيار أيها الفضلاء عنوان المحاضرة (الفاروق في القرن الخامس عشر) وكان العنوان (الفاروق في القرن العشرين) لكن من الذي أسس التاريخ الهجري؟!
أليس عمر؟
أليس وفاءً منا أن نجعل التاريخ بالهجري بدلاً من الميلادي, لأنه أسس التاريخ؟
بلى أيها الأحباب! فأنا أعرف أن الأطفال عندنا في الابتدائية يعرفون أين ولد عمر , ومتى ولد؟ وأين توفي؟ ومتى توفي؟ ولكن أعرف أن من أساتذة الجامعة من لا يعرفون سطوع عمر، ولا عبقرية عمر.
وأنا لن أحدثكم اليوم عن تاريخ الأموات عن زوجات عمر وأبنائه، أو عن لباس عمر , ولكني سوف أحدثكم عن تاريخ الأحياء الذي عاشه عمر رضي الله عنه إماماً وعبقرياً وعادلاً.
أسلم عمر بسورة طه، وكان أصدق من الشمس في ضحاها، وأوضح من القمر إذا تلاها، وأشهر من النهار إذا جلاها، تولى الخلافة فأعلاها، وقاد الأمة ورعاها.
من أين أبدأ يا أبا حفص ولي قلب له في حبكم أسرارُ
يا أيها الفاروق تاريخ الورى زورٌ وفي تاريخكم أنوار
لقبه الفاروق، وقد لقبه بذلك أهل الكتاب، أسلم وعمره بضع وعشرون عاماً، وشهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها، وهو أول من عس بـ المدينة، ودار كالشرطة في الليل، وحمل الدرة، وأدب بها، وجند الجنود، ودون الدواوين، وفتح البلاد.
كان خشن العيش، قليل الضحك، لا يمازح أحداً، كثير البكاء، نقَش بخاتمه: (كفى بالموت واعظاً يا عمر) وهذا من كلام ابن كثير.
والله ما ادكرت روحي سيرته إلا تمنيت في دنياي لقياه
ولا تذكرته إلا وخالجني شوق أبو حفص فحواه ومعناه
تبكي عليه الملايين التي فقدت بموته عزة الإسلام إذ تاهوا
الطفل من بعده يبكي عدالته يقول هل مات ذاك الغيث أماه
والناس حيرى يتامى في جنازته تساءلوا من يقيم العدل إلا هو
مضى إلى الله والآلاف تندبه ابن الشريعة حياها وحياه
إني أحييك من قلبٍ يقطعه شوقي إليك فهل واسيت فقداه
يقول خالد محمد خالد -وأنا أعترف وأزيد على ما قال- يقول: لست أكتب تاريخاً لـ عمر، ولا أزيد معرفةً بـ عمر، ولكني لا أرفع شأوه، ولا أزكي على الله نفسي بالكتابة عن عمر، فالله أحبه واصطفاه، لأنه الرجل الكبير في بساطة، والبسيط في قوة، والقوي في عدل، والمتواضع في رحمة، والرحيم في تواضع.