[موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول مع أبيه]
رجع صلى الله عليه وسلم من غزوةٍ من الغزوات، وفي تلك الغزوة كان معه المنافقون، منهم: عبد الله بن أبي بن سلول قائد لواء النفاق -نسأل الله السلامة- وكان من الخزرج، وقد كان الأنصار يريدون أن يملكوه عليهم قبل أن يُهاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم، وقد كان فيه صحة في الجسم وبسطة في المال، ولكن داخله النفاق، فخرب ظاهره وباطنه نسأل الله السلامة.
نزل هذا الرجل مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة، فتشاجر رجل من الأنصار مع رجل من المهاجرين، فوصل الخبر إلى عبد الله بن أبي قال: صدق القائل صاحب المثل: " جوع كلبك يتبعك، وسمن كلبك يأكلك" ثم قال: والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فذهب رجل بهذه المقالة وهو زيد بن أرقم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! سمعت عبد الله بن أبي بن سلول يقول هذا اليوم كذا وكذا والله لو كان قالها في غيرك وفي غير الإسلام لما رفعتها إليك يا رسول الله! فأتى الأنصار وجوههم وكبارهم إلى الرسول، وقالوا: يا رسول الله! لا تصدقه، عبد الله بن أبي بن سلول لا يقول هذا، فيحلف الفتى زيد بن أرقم وكان شاباً، فيقول الأنصار: لا يقول ذلك يا رسول الله.
وفي الأخير كان الرسول صلى الله عليه وسلم مقتنعاً بهذه المقالة، فعاد هذا الشاب، وقال: فأخذني ما قرب وما بعد من الهم حتى كاد يقتلني، كيف أكذب وأنا سمعت الرجل يقول هذا الكلام؟ فأنزل الله عزَّ وجلَّ في عصر ذاك اليوم قوله سبحانه وتعالى:{يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}[المنافقون:٨].
فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم فدعا زيد بن أرقم على مرأى ومسمع من الأنصار، ثم فرك أذنه صلى الله عليه وسلم، وقال:{لقد صدق الله كلامك وأذنك} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، أي: أن أذنك التي سمعت صدَّقها الله من فوق سبع سموات، ثم سرى الخبر إلى عبد الله بن عبد الله بن أبي، الذي قال أبوه هذه المقالة، وظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يقتله، فقال:[[يا رسول الله! إن أبي قال ما سمعت، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى ما أنزل عليك، وأنا سمعت أنك تريد قتله، وأنا لا أرضى أن أرى قاتل أبي يمشي على الأرض، فإن كنت تريد قتل أبي أتيتك -الآن- برأسه ووضعته بين يديك]] لأنه رضي الله عنه مؤمن وأبوه منافق، فقال صلى الله عليه وسلم:{بل نترحم على أبيك حتى يلقى الله}.
وعندما رجع عبد الله بن أبي المدينة وصل إلى أسوارها؛ فقام عبد الله بن عبد الله بن أبي فسلّ سيفه ووقف على مدخل المدينة، فلما دخل الناس واجتازوا وقف، فلما رأى أباه قال: [[والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدخول، قال: ولَمْ؟ قال: لأنك الأذل ورسول صلى الله عليه وسلم الأعز: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}[المنافقون:٨] فإن أذن لك وإلا أخرجناك من المدينة، قال: تفعل بي وأنت ابني؟ قال: كما سمعت! فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله! ائذن لـ عبد الله بن أبي أن يدخل المدينة، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: ائذنوا له، فأذنوا له فدخل]].
هذا من الأنصار رضي الله عنه وأرضاه وهذا من كمال التوحيد وكمال الموالاة، وقد جعل الله سبحانه وتعالى عقيدة الولاء والبراء جزءاً من عقيدة أهل السنة والجماعة يلقون بها الله سبحانه وتعالى.