للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[واقعنا مع الحديث]

أيها الإخوة بقي من المسائل: واقعنا مع الحديث باختصار.

الآن يقول عليه الصلاة والسلام: {الطهور شطر الإيمان} فكثير من الناس يتوضأ ويصلي، ولا يستحضر هذه الفضائل، فلا يستحضر أن الطهور شطر الإيمان ولا يتذكر، بل قلبه ساهٍ لاهٍ، ولا يتأمل هذه الأجور؛ لأن أجرك على قدر تذكرك، فالله الله في تذكر هذه الأجور العظيمة.

ومنها قول: {والحمد لله تملأ الميزان} إن من الناس من ظن أن الحمد باللسان فقط، فعصى الله وتعدى حدوده، وأخذ كل ما يقدر من نعم الله، ثم قال: الحمد لله، حتى اقتصر ثناء الناس على الله باللسان فقط، تقول: انظر إلى الأمن الذي نعيشه، وانظر إلى الرخاء الذي نحن فيه، يقول: الحمد لله، الله لا يغيرها نعمة، لكنه ما استخدمها في شكر المنعم سبحانه وتعالى، وبعض الناس يظن أن النعيم فقط هو ما يشاهده في السوق من الجرجير والخيار والبطاطس، فكلما رأى الخيار والجرجير والبطاطس طارت نفسه فرحاً.

طفح السرور عليّ حتى أنني من عظم ما قد سرني أبكاني

وقال: لا غيرها الله من نعمة، والنعمة العظيمة الحقيقية عند أهل العلم نعمة التوحيد ونعمة الإيمان والتوجه إلى الله.

ما الفرق بين الأعرابي المؤمن الذي يصلي ويقوم الليل، ويصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وهو يسكن في خيمة في تهامة، وبين المجرم الذي يسكن في الدور العاشر، ويصعد بالمصعد -الأصنصير- وعنده سيارة فاخرة، وهو لا يصلي الفجر في جماعة، ومعه الشيكات يلعب بها كلعب البلوت، وهذا الأعرابي لا يعرف الريال وما قد رآه في حياته، فما الفرق بين النعمتين؟ هذه نعمة دواب ونعمة حيوان {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٤] وقال سبحانه وتعالى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٣٣ - ٣٥] ليس الفضل بكثرة الأكل، فالحمار يأكل ما يقارب عشرين كيلو، وبعض الناس لا يأكل إلا ربع كيلو، وليست بالقوة، فالثور أقوى ما يكون، وليست الضخامة فجسم الفيل ضخم، ولكن بالإيمان والعمل الصالح والنور، فالناس الآن يقول أحدهم: الحمد لله، بينما لا يعمل بمقتضى الحمد لله، فلو أنه حمد الله في العمل، وحمد الله في البيت، وحمد الله في المنهج الذي يعلمه ويدرسه ويقوم به، وحمد الله في أنه يغار على أن تسلب الحمد لله؛ لأن الأمة إذا لم ينصح عاقلها سفيهها، ضربها الله ضربة قاصمة: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:١٠٢] فلا بد أن يغار على منهج الله، وأن يتمعر وجهه إذا رأى أن المعاصي تنتشر، وأن أعداء الله يرتفعون، وأن أولياء الله يخفضون.

<<  <  ج:
ص:  >  >>