لما توفي الإمام أحمد أعلن المتوكل في الناس أن عليهم أن يشيعوا الجنازة؛ ففتحت الثكنات العسكرية لجيش الخليفة، وبقي الناس يتوضئون من وقت الضحى إلى صلاة العصر، وحملت الجنازة، وارتفعت في الصباح من بيته، ووصلت إلى مصلاها قريباً من ضاحية بغداد في العصر، من كثرة الزحام.
شيَّعه -كما يقول أهل العلم- مليون وثلاثمائة ألف، وستون ألف امرأة؛ كما أثبت ذلك أصحاب التواريخ، وتوقف اليهود والنصارى من بيعهم ذاك اليوم، وهبت رياح على بغداد حتى قال بعض الجهلة: قامت القيامة وخرج الجيش وقوامه تسعون ألف في مقدمة الناس يرتبون الصفوف، وتراددت بغداد بالبكاء من أولها إلى آخرها، ووصلت جنازته، حتى قال بعض أهل التاريخ: كانت تذهب الجنازة على رءوس الناس تحمل بالأصابع، وتعود إلى المؤخرة وتذهب وتأتي.
فلما وضعت ارتفع البكاء، وقام الناس يصلون عليها:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي}[الفجر:٢٧ - ٢٩].