للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قصة صاحب المحرقة]

في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: {كان رجل من بني إسرائيل أسرف على نفسه في الخطايا والذنوب، فلما أدركته الوفاة، قال لأبنائه: كيف أنا لكم؟ قالوا: من خيرة الآباء، قال: فإني ما فعلت مع الله جميلاً أبداً، ما تركت منكراً إلا أتيته، فإذا مت فاجمعوا لي حطباً، ثم حرقوني بالنار، ثم اسحقوني ثم ذروني، عل الريح أن تذهب بي في كل مكان} سبحان الله! ظن أن الله لا يحييه، كما بدأه أول مرة: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراًى * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:١ - ٢] وقال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:٧٨ - ٧٩].

ولدتك أمك يابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا

فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا

{فلما مات جمع له أبناؤه الحطب، وأحرقوه بالنار، ثم أشعلوا جثمانه، ثم سحقوه، ثم ذروه في الريح، فأخذته في كل مكان، فقال الله له: كن، فكان رجلاً} {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:٤٠] {فلما أصبح أمامه رجلاً قال: يا عبدي ما حملك على ما فعلت؟ قال: يا رب خفتك وخشيت ذنوبي، قال الله عز وجل: أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة}.

فيا أيها الناس! التوبة التوبة، والاستغفار الاستغفار إلى الواحد الأحد، فإنه لا يهلك على الله إلا هالك، والمكفرات كثيرة، نسأل الله أن يغفر لنا ولكم الذنوب والخطايا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا هو، ولا يستر العيوب إلا هو.

بعض الناس يقاطع أخاه وقريبه وجاره المسلم، وتمر عليه السنوات الطوال لا يسلم عليه؛ وهذا من أعظم المنكرات، ولا يفعله إلا من قسا قلبه، وأصبح من الفجور بمكان، ونسي الله واليوم الآخر، فإن كانت القطيعة من أجل الدنيا، فهذا يحرم -كما في الحديث الصحيح-: {ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام}.

ويوم يلقى المسلم المسلم، ويصافحه تتحات خطاياهما كما تحات ورق الشجر في الشتاء، ويوم يصد عنه يصد الله عنه يوم القيامة، وهذا من أعظم الإجرام، فوصيتي لكل مسلم أن يتقي الله في إخوانه المسلمين، وألا يهجرهم خاصة الأرحام، خاصة من جعل الله بينك وبينهم قرابة في الحياة الدنيا، فإن الله يسألك يوم القيامة: ماذا فعلت فيهم؟ من أعظم وأكبر المعاصي أن تقطعهم، ولذلك من قطع رحمه، قطعه الله عز وجل، فهذا ينبه عليه أنه من المنكرات ومن الفواحش الكبار التي ينبغي أن نعي أمرها وحكمها، لنتوب إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عل الله أن يرحمنا: {الخلق عيال الله، أقربهم إلى الله أنفعهم لعياله} وهذا أمر يعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>