للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الاستعداد للموت]

أما العنصر السادس فهو الاستعداد للموت، وهو تاج هذه المحاضرة، وهو مقصودها وزبدها.

بماذا نستعد؟ وما هو زادنا؟ زادنا قليل إي والله، وعمرنا قصير، وسفرنا طويل، فما هو الاستعداد؟

يقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:١٨].

والغد هو يوم القيامة، ولما كان قريباً قال: (لغد) أي: بعد هذه الليلة فصباح هذه الليلة هو غد، فما قال: يوم العرض الأكبر ولا الآخرة، بل قال: غد، وقال سبحانه: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:٢٨١].

اتقوا ذاك اليوم، واعملوا لذاك اليوم، واستعدوا لذاك اليوم.

قال سعد رضي الله عنه وأرضاه كما في سيرته بسند صحيح، وهو سعد بن أبي وقاص الذي فتح بلاد فارس وصاحب الانتصار بإذن الله في القادسية، بكت ابنته وهو في سكرات الموت، فقال: [[يا بنية! ابكي أو لا تبكي، والله إني من أهل الجنة]].

قال الذهبي: صدقت هنيئاً لك؛ لأنه شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أهل الجنة، وهو من الذين استعدوا للجنة، لماذا يدخل الجنة؟ ألأنه خَال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لا.

عمه أبو طالب في النار، وعمه أبو لهب في النار، وبلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي في الجنة، لماذا؟ لأنهم عرفوا الطريق وعرفوا تقوى الله.

وأما الأعمش سليمان بن مهران -أحد رواة الصحيحين - فإنه لما حضرته الوفاة قال لأبنائه: لا تبكوا عليَّ فوالله ما فاتتني تكبيرة الإحرام مع الجماعة ستين سنة.

فهذه مؤهلات الجنة، هل أحد منا عنده عمل في قلبه؟ هل أحد منا معه رصيد لذاك اليوم؟

يا أيها الإخوة: هل أحد منا استعد برصيدٍ إلى الله الواحد الأحد؟ هل تهيأ بالزحف والانتقال من هذه الدار بزاد؟

سعيد بن المسيب يقول لأبنائه: ما أذن المؤذن منذ أربعين سنة إلا وأنا في مسجده عليه الصلاة والسلام.

نزلوا بـ مكة في قبائل نوفلٍ ونزلت في البطحاء أبعد منزل

ماذا نقول إذا لقينا الله غداً؟ ما هي حجتنا عند المولى سبحانه وتعالى؟ إنها والله أمور ينبغي أن نقف عندها، وينبغي أن نتنبه جميعاً كل التنبه.

ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير كان كلما صلى الفجر رفع يديه وقال: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة، قالوا: ما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فلبى له الله ما سأل، فأتته سكرات الموت وهو في السجود: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:٢١] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩].

صدق مع الله، وتوجه إلى الله، وثبات على لا إله إلا الله.

إذاً: كيف نستعد؟

إن المؤهلات والشهادات بلا عمل صالح أثبتت إخفاقها في الساحة، وأثبتت فشلها وانهزاميتها، المناصب بلا إيمان لا تساوي شيئاً.

يقول أحد الأدباء من المفكرين: قلب بلا إيمان كتلة لحم، وعين بلا إيمان مقلة عمياء، ويد بلا إيمان إشارة خاطئة، وكتاب بلا إيمان كلام مصفف، وقصيدة بلا إيمان كلام ملفف، ومجتمع بلا إيمان قطيع من الضأن.

بل نسب لـ ابن تيمية وهذا صحيح عنه أنه قال: كل أرض لا تشرق عليها شمس الرسالة فهي أرض ملعونة، وكل قلب لا يعرف هذا الدين فهو قلب مغضوب عليه.

وقال في مختصر الفتاوى: من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدىً غير هدى الله الذي أرسل به محمداً صلى الله عليه وسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ولا كلاماً، ولا ينظر الله إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر:١ - ٥].

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:١ - ٨].

وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>