كان الإمام مالك يُدرس السنة في مسجده، ويأبى الإمام مالك البدعة -لا يريد أي بدعة- يتحفظ في كل شيء؛ لأنه لا زيادة في الدين، فدين الله كامل قال سبحانه:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً}[المائدة:٣] وكان الإمام مالك رجلاً مهاباً كالسلطان، يخاف منه الناس ولا يستطيعون الكلام معه ولا المفاوضة.
هارون الرشيد الخليفة العباسي الذي يقف في بغداد في القصر ويقول للسحابة:" أمطري حيث شئتِ فإن خراجك سوف يأتيني" يدخل على الإمام مالك في المدينة في بيته، فيأتي أطفال الخليفة: الأمين والمأمون فيرون الإمام مالك فيهربون! قال هارون الرشيد: " أتدري يا أبا عبد الله! لماذا يهرب أبنائي؟ قال: " لا أدري.
قال: هيبةً منك والله ".
قال أبو جعفر المنصور لوزرائه: ما هي عجائب الدنيا؟
قال بعضهم: الحدائق المعلقة، وقال البعض الآخر: حوطة دمشق.
قال: عجائب الدنيا هي: عقل الإمام مالك.
أتى يدرس في المسجد، فدخل رجل فقال: " يا أبا عبد الله! -يسأل الإمام مالك - {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥] كيف استوى؟! " فنكس الإمام مالك رأسه؛ لأنه لم يعرف هذا السؤال من ذي قبل، ولم يكن معهوداً إلا التلقي وعدم الأسئلة البدعية، حتى تصبب العرق من على جبينه، ثم قال: " الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب، أخرجوا هذا المبتدع ".
فقام التلاميذ فسحبوه بأيديه وأرجله حتى وضعوه في بقيع الغرقد؛ لأنه مبتدع.
وهذا جواب أهل الإسلام ضد من يريد أن يبتدع ولا يدخل معه في حوار، بل يتوقف على السنة والأثر.
ثم استمر الحال على ذلك، والبدعة مرة تخبو، ومرة تنشط، وسبب نشوئها حينما يجهل الناس بالأثر، حينما تعطل الصحاح والأسانيد والسنن، إذا رأيت أمة لا يدرَّس فيهم القرآن والسنة، فاعلم أن البدعة سوف تخترقهم، ولو كانوا مثقفين؛ لأن الثقافة شيء، والعلم شيء آخر، وسوف أبين ما هي الأسباب التي تطرد بها البدعة.