ثم تحضره سكرات الموت صلى الله عليه وسلم، وتفيض روحه، وينظر أنه قد أسند الخلافة إلى ملأ من الناس، وأن دينه قد انتشر، واطمأن على مبادئه أنها قد اتضحت، وأن الله قد أهلك أعداءه من المشركين، واليهود، والنصارى، والمنافقين، والمناوئين، والحسدة، وهذا هو الانتصار الخالد:{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ}[الروم:٤ - ٥].
وانتصر عليه الصلاة والسلام، لكنه أتاه النصر بعد تلكمُ المعاناة والرحلة الطويلة، فقد عاش صلى الله عليه وسلم يدفع ثمن ذاك النصر من دمه وعرقه وجهده وماله وسمعته وأصحابه، وكل ما يملك، حتى أتاه النصر أعز ما يكون.
والنصر الرخيص يذهب سريعاً ليس له قيمة، وهذا مثل النجاح المزيف، ينجح الطالب الذي يغش في الامتحان فلا يجد للنجاح طعماً، فالغشاش إذا رأى النتيجة: ممتاز (الأول) يضحك عليه قلبه، ويقول: أنت خائن في الداخل وخائن في الظاهر لا يفرح كثيراً مثلما يفرح الطلاب، أما الطالب الذي سهر، وألهب ذاكرته، وأسهر دقائقه وثوانيه، وحصل العلم بجدارة فإنه يفرح بالأولية والامتياز فرحاً باهراً.
والذي يأخذ النصر رخيصاً يدفعه رخيصاً، ومن أخذ النصر عزيزاً لا يطلقه من يديه ويتهنأ بهذا النصر؛ وهذا ما حدث له صلى الله عليه وسلم يوم نصره الله.
فهذه رحلة في محاضرة:(الرسول صلى الله عليه وسلم بين المعاناة والانتصار) وفيها دروس لكل خَيَّر على وجه الأرض من المسلمين، ولكل تابع له صلى الله عليه وسلم حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وأن العاقبة للمتقين، وأنه لا بد من القوارع، واللذعات، واللدغات، والعصرات؛ ليعلم المسلم أن لا إله إلا الله, وليحصل على النصر، وليثبت من يثبت، وينتهي من ينتهي، وليصفى نخبة رائدة تحمل لا إله إلا الله، وتكون مرشحة لحمل هذا الدين.
يقول كثير من العلماء: الذين ثبتوا في الغزوات هم أهل بدر وأحد، وهم أهل بيعة العقبة، أما مسلمة الفتح، فهل تدرون ماذا فعلت مسلمة الفتح؟
فروا يوم حنين؛ لأن الإيمان في قلوبهم ضعيف، فمسلمة الفتح مثل الطالب المنتسب؛ تجد الطالب المنتسب لا يعرف إلا رءوس الأقلام من الإجابات، أما المنتظم فيعرف ما قال الأستاذ، ويعرف المقرر، وما في المذكرات.