[منهج محمد الغزالي]
السؤال
ما قولكم في إباحة محمد الغزالي المعاصر للغناء، وتضعيف الحديث الذي في صحيح البخاري الذي يحرم الغناء؟
الجواب
أولاً: الشيخ محمد الغزالي المفكر الإسلامي المعروف، والذي يدرس الآن في جامعة الجزائر رجل مشكور على كل حال وله حسنات، وهو من الدعاة الذين نحسبهم والله حسيبهم عنده صدق وإخلاص لهذا الدين، ولا نضعه في مواضع بعض المفكرين المغرضين الذين يحملون عداءً لهذا الدين، فهو صادق ويعرف منه هذا الأمر ويحارب الإلحاد والزندقة، لكن ظهر له في الأخير كتاب أثار بعض الريبة والاتهامات والنقد له، وهذا الكتاب اسمه السنة بين أهل الحديث وأهل الفقه، ورأيت هذا الكتاب وقد رد عليه كثير من أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ وطلبة العلم، ومن أحسن ما علمت أنه رد عليه الشيخ سلمان العودة من القصيم وكتابه موجود بعنوان حوار هادئ مع الغزالي، وتنشر المسلمون حلقات منه، وله أشرطة في السوق، ورد عليه الشيخ محمود الطحان وغيره لكن ردهم بسيط سهل.
وخلاصة الكلام: أن الغزالي يؤخذ عليه مآخذ وأمره إلى الله ونزنه بميزان سورة الأحقاف: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:١٦].
عرف بالاستقراء لكتبه أنه يقدم العقل كثيراً على النقل، وهذا المنهج منهج معتزلي، وهو منهج المناطقة والمتكلمين من الأشاعرة، وقد رد ابن تيمية على هؤلاء بكتاب درء تعارض العقل والنقل وضحَّى بـ الرازي فيه فذبحه إلى الطريقة الإسلامية على القبلة، فيؤخذ ويراجع كتاب ابن تيمية ليتحقق المسألة في هذا الأمر، وأنه لا تعارض بين العقل والنقل، لكن الغزالي ينتبه له، حتى أن له منهجاً في الحديث، وقد نقله في كتبه مثل فن الدعاء للرسول عليه الصلاة والسلام وغيره من الكتب فهو يرى أن الحديث إذا كان معناه صحيحاً بالعقل قبلناه ولو كان ضعيف السند، وإذا كان معناه لا يقبله العقل رددناه ولو كان صحيح السند.
مثل ماذا يا غزالي؟ قال: مثل الحديث الذي في صحيح البخاري، يقول: إن موسى عليه السلام لما أتاه ملك الموت ضرب عينه ففقأها فذهب إلى الله فرد عليه عينه، قال: هذا لا يوافقه العقل فهو مردود، وهذه قاعدة يردها بالإجماع علماء السنة وأهل الحديث وأهل المصطلح ولا يقبلونها، وهي خطيرة كل الخطورة، وقد تعرض لها الألباني بالرد لكنه لم يسم المردود عليه، ولو أنه ناله في بعض الكتب ورد عليه.
المنهج الثاني: أن الشيخ الغزالي تساهل في حجاب المرأة المسلمة، وبيَّن أن الحجاب لا يشمل الوجه والكفين، وذكر أن هذا أتى من الحجاز ومن ناحية نجد، وأن أول من أتى بها أهل نجد ولم تكن معروفة في العالم الإسلامي، وقد أخطأ خطأين: أولاً: أساء الفهم، ثانياً: أساء إلى التاريخ.
فأما إساءته للفهم فإن أدلة الكتاب والسنة تدل على أن الوجه والكفين لابد من تحجيبهما، ولا بد من إدخال الحجاب في ذلك.
وأما التاريخ فلم يأتِ أولاً من نجد، فـ نجد من بلاد الله عز وجل ومن بلاد المسلمين يشملها ما يشمل غيرها والرسول صلى الله عليه وسلم بعث للناس كافة بشيراً ونذيراً للعالمين.
المنهج الثالث: مزلق الغناء، وقد تبع في ذلك ابن حزم وابن الطاهر المقدسي، فأباحه وقال: لا شيء فيه، بل يردد هو وبعض المفكرين أسماء ليس لها داعي من المغنيات وعفا الله عنهم.
والصحيح أنه محرم لحديث أبي مالك الأشعري في البخاري والذي اعترض عليه الغزالي: {ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} هذا الحديث تعرض له الدارقطني وابن حزم وقالوا: البخاري لم يدرك هشام بن عمار، لأنه قال: وقال هشام بن عمار: حدثنا فلان ثم ساق الحديث، والصحيح أن البخاري أدرك هشام بن عمار وروى عنه يقيناً.
المنهج الرابع: الغزالي يقول: للمرأة أن تتولى الأمر والحكم في الإسلام، ولها أن تشارك في البرلمان، وأن تدلي بصوتها، وأن تتولى الوزارة، وهذا رأي خاطئ لقوله عليه الصلاة السلام: {لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة} فالمرأة في الإسلام لها شئونها لكنها لا تشارك في البرلمان ولا تتولى، ولا يزال قوم تتولاهم النساء أمرهم في سفال وذلة وصغار، وليس عندنا في الإسلام هذا المبدأ، فليتنبه الغزالي ومن وراء الغزالي.
المنهج الخامس: غفر الله له وسامحه الله أنه تناقض في الصفات، فهو مرة أشعري ومرة ينتقد الأشاعرة، ومرة يأخذ في الصفات بمذهب أهل السنة فلا يُدرى حاله، والسبب في ذلك: أن منهجه وعظي عاطفي وليس بعلمي فقهي، إنما يعتمد العاطفة، مرة يمدح الأشاعرة ويقول: هم الذين نزهوا الله، فقد أخطأ في هذا كثيراً سامحه الله، بل منهج أهل السنة هو المنهج الصحيح، والأشاعرة أخطئوا في ذلك، ولم يكن منهجهم صائباً.
يأتي مرة ويقول: أنا لا أعرف رباً له قدم، سبحان الله! إذا أثبت رسول الله قدماً نثبتها لله بلا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١].
سادساً: الغزالي في كتاب ظلام من الغرب يقول في كلام فيما معناه: إننا يمكن أن نتضامن مع نصارى العرب ونكون جبهة واحدة، نحن العرب مسلمين ونصارى ضد من ناوأنا، سبحان الله! النصراني يكون أخاً لنا ضد عدونا متى كان هذا؟! هذا معناه غبش في الولاء والبراء.
ويقول: إن العربي يحمل حب محمد عليه الصلاة السلام، كيف يكون العربي النصراني يحمل حب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يكذب الرسول صلى الله عليه وسلم؟!
فليتنبه لهذا الرجل ولا تغمط حسناته، فإنه قد أجاد في كثير من كتبه، ويستفاد منها مثل كتاب جدد حياتك وعلل وأدواء وهموم داعية فله حسنات على كل حال، لكن يتنبه لهذا الأمر، ويوقف عند حده في هذه المسائل.
وكما قال مالك: كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة السلام.
وإنني أعتب على بعض الإخوة من طلبة العلم على إهدار حسنات الناس، فإنك تجد لبعض الناس حسنات، فيهدرونها بخطأ واحد، ويضيعون جهده ويدعون عليه، وينسفون ما بناه من صروح في خدمة هذا الدين وجهد، فيمزقونها تماماً، وهذا إجحاف، وبعضهم ينسى هذه الزلات والخطايا ويضفي أثواب المدح على صاحب الخير، والله يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:١٤٣].