للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ابن المبارك عند الإمام مالك]

وقال يحيى بن يحيى الليثي: [[كنا عند مالك بن أنس إمام دار الهجرة- فاستأذن لـ عبد الله بن المبارك بالدخول فأذن له، فرأينا مالكاً تزحزح له في مجلسه، ثم أقعده بجانبه]] كان مالك لا يتزحزح لأحد ولا يقوم، لكن لما أتى ابن المبارك، تزحزح وأجلسه بجانبه، قال: [[وما رأيت مالكاً يتزحزح لأحد في مجلسه غيره، فكان القارئ يقرأ على مالك فربما مر بشيء فيسأل مالك ما مذهبكم في هذا؟ أو ما عندكم في هذا؟ فرأيت ابن المبارك يجاوبه بسكوت وصمت لا يسمعه إلا مالك]] هذا من الأدب، الناس جلوس أمام الإمام مالك: في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام وابن المبارك بجانب مالك فكان مالك إذا مر به الحديث يقول: [[ما هو مذهبكم في هذه المسألة؟]] وابن المبارك عالم مثل مالك أو أكثر في الحديث، وذاك يمكن أن يكون أكثر في الاستنباط، فكان يدني رأسه ويكلم مالكاً في أذنه حياء من الإمام مالك وأدباً، وهذا درس لطلبة العلم ودرس للشباب أن يتقوا الله في العلم، فمن يفعل مثل هذا؟ أما الآن فإذا عرضت مسألة وقال فيها طالب علم قوله، قام طالب هناك وقال: هذا خطأ والحديث ضعيف لا يصح، في سنده فلان بن فلان وقد حققته في رسالة،، أهكذا يبكت الناس؟ وهي مسألة فرعية للذي اجتهد فيها ولم يوفق للصواب أجر واحد ومن يوفق للصواب فله أجران؟! حتى إذا سألت مثلاً في المجلس مجموعة من الشباب -من طلبة العلم- تبادروا كل يفتي، تقول: ما رأيكم في هذا الحديث؟ فقائل: صحيح، وقائل: لا.

حسن، وقائل: هذا ضعيف، وقائل: ذاك موضوع، كلهم يريد أن يتكلم!! فـ ابن المبارك يعلمك الأدب، يقول: ما عليك ألا تتكلم وقد وجد عالم في الحلقة، فعلمه في أذنه، أو لا حظ عليه، لا أن تفتي معه وتتكلم، وكذلك من الأدب ألا تتكلم، وهناك من هو أولى منك بالكلام في المجلس، بل تجد أحياناً بعض الكبار من العلماء يحضرون مجالس العامة فتجد شباباً يتكلمون في حضورهم فيبدأ الشاب وبدون حياء، ويقول: (إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، أمَّا بَعْد: فنرى أن نمضي هذا الوقت فيما ينفع، ومن الواجب عليّ ألا أكتم العلم الذي عندي) وليس عنده ما يملأ كوباً، بينما العلماء الكبار موجودون، فمادام أن العالم موجود فقد عفاك الله عز وجل فأحل عليه، ثم أن هذا من الوقار وحسن الأدب أن تحول الكلام إليه وتقول: الشيخ موجود ولا نتكلم بوجوده، و (لا يفتى ومالك في المدينة) ونريد منه أن يتحفنا، ثم إذا أردت أن تتكلم أنت فتكلم لكن بأدب بعد أن تقول: كما تفضل والدنا وشيخنا في هذه الكلمة المباركة ,وأنا لست زائداً عليه ولا أريد أن أضيف إلى كلامه شيئاً، لكني أعرض عليكم بعض المسائل، هذا من الأدب ومن الوقار ومن هذا الأمر الذي يريده ابن المبارك رحمه الله.

وقالوا: سئل ابن المبارك بحضور سفيان بن عيينة عن مسألة فقال: [[إنا نهينا أن نتكلم عند أكابرنا]] ما شاء الله ابن عيينة أكبر منه سناً، وابن المبارك أصغر، فسئل وابن عيينة جالس فقال: [[نهينا أن نتكلم عند أكابرنا]] ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {كبر كبر} أي ابدأ بالكبير، فإذا عرضت عليك مسألة وفي المجلس من هو أولى منك فأحل إليه المسألة وقل: مارأيكم في هذا؟ وقد قلت وقال غيري من طلبة العلم ومن الدعاة: إن هناك أشياء تنقص في بعض الشباب منها: عدم احترام الكبير: تجد أحياناً كبير سن في السبعين من عمره -وأقصد: ممن يتبعون السنة، أما كبير في السن وهو فاسق فهذا لا تكرمه، لكن أقصد شيخاً كبيراً على السنة، يحب الله ورسوله تجده يجلس في طرف المجلس وتجد الشباب في صدر المجلس هذا خلاف السنة، أو تجد أحياناً بعض القضاة يدخل فيجلس في طرف المجلس فهذا ليس من السنة فلا بد أن يكرم، وسلطان عادل يحكم بالكتاب والسنة ويخاف الله لا بد أن يكرم.

وحامل القرآن لا بد أن يكرم، وداعية له أثر لا بد أن يكرم، وشيخ قبيلة له أثر في الخير يحب الله ورسوله ويفعل الخير لابد أن يكرم، فإنزال الناس منازلهم وارد، أما بعضهم فإنه يقول: لا.

ليس عندنا تميز كلنا سواسية، الإنسان يجلس بأي مكان، وكان صلى الله عليه وسلم لا يقام له، صحيح وضعٌ للنصوص في غير مواضعها، بل لابد من إنزال الناس منازلهم، واحترام الناس.

<<  <  ج:
ص:  >  >>