[المعجزة الكبرى]
قاد الأمة فكانت قيادته دستوراً للقادة, ومنهجاً للزعماء, ووثيقة للساسة, يا زمن! يا تاريخ! يا أرض! يا دهر! إن أعظم نبأٍ هز العالم، هو نبأ هذا الرسول عليه الصلاة والسلام, ليست المعجزة في اكتشاف القنبلة الذرية, ولا الهيدروجينية, ولا الصعود على سطح القمر, ولا حرب النجوم, ولا مادة من المواد، لا.
إن المعجزة هي مبعثه عليه الصلاة والسلام, وليست المعجزة اكتشاف أمريكا , وليست المعجزة أن تُرى النار تحت البحر, ولا أن تفجر من المادة مادة أخرى, ولا أن يحول من الحديد ذهباً بالكيمياء، لا.
المعجزة مبعثه عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ:١] مال العالم يتساءل؟ لماذا يسهر العالم ويتساءل؟ ما هو الحدث الذي فض الدنيا؟ ورضخ برأس المعمورة؟ ودوّخ أذن العالم؟ ما هو الخبر؟ محمد عليه الصلاة والسلام {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} [النبأ:١ - ٢] ولم يسمِ الله النبأ لأنه أعظم من أن يسمى {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} [النبأ:٢ - ٣] اختلاف العالم في مبعثه دليل على عظمته, يقول العقاد: إذا اختلف الناس في رجل بين مادح وقادح؛ فاعلم أنه عظيم.
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم
فمحمد عليه الصلاة والسلام نام, ولكن العالم ما نام, انشغل العالم يوم بعث عليه الصلاة والسلام, فالكرة الأرضية مشغولة كلها بمبعثه وهو نائم في مكة , كيف؟ لما بعث أرسل الله الشهب من النجوم ترمي الشياطين, كما قال تعالى: {دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات:٩] وقال: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات:٦ - ٩].
كانوا قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام يتسمعون، وكانوا يسمعون الوحي, وكان يصعد الشيطان على رأس الشيطان حتى يصلون إلى السماء، فيستمعون كلام السماء, فلما بعث لأول يوم حرس الله السماء, ممنوع الاستماع كما قال جل وعلا: {إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء:٢١٢] وما ينبغي لهم ولا يستطيعون, الشياطين أتوا يستمعون بعد مبعثه؛ فإذا النجوم تتهاوى بالقذائف عليهم وبقنابل الراجمات فتحرق الشيطان فيصبح رماداً, فيعود بعض الجن لبعضهم كما قال تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} [الجن:٨] يقول بعضهم لبعض: لا سبيل لكم من السماء انتهى, حدث في الأمر خبر, أتى في الدنيا عجب نزل في الدنيا كيان لا نعلم {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ} يقول: اقتربنا من السماء {فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} [الجن:٨] قال ابن عباس: [[ما بقي على نجم إلا وعليه ملك يرمي بالنجم الشيطان]] الفلك كل الفلك أصبح محفوظاً بمبعثه عليه الصلاة والسلام, فرجع الشياطين يتحدثون عن رسالته ويقولون: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} [الجن:١] يقول سيد قطب: عجباً حتى الجن يتذوقون القرآن! حتى الجن يعيشون مع القرآن! حتى الجن يعرفون بلاغة القرآن! نعم.
{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:١٩] انتهى.
وأتى عليه الصلاة والسلام يتحدث للإنسانية، فإذا الجن يلحقونه من وادٍ إلى وادٍ.
قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف:٢٩] كان في وادي نخلة بين مكة والمدينة يصلي في الليل، فصرف الله له جناً من نصيبين من اليمن؛ ليسمعوا القرآن فسمعوا القرآن, اسمع إلى تعبير القرآن، واسمع إلى روعته وعظمته، قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} [الأحقاف:٢٩] يقول شيخهم خنزر هذا شيخ القافلة، وأستاذ هؤلاء الطلاب الذين أتى بهم من اليمن لما وصل قال: أنصتوا قال تعالى: {فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:٢٩] انتهى فولوا منذرين إلى قومهم وعادوا!