[حفظ الله لأبي قتادة]
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على عبده ورسوله محمد بن عبد الله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومرضاته ومغفرته وعفوه وكرمه وإحسانه، وشكراً شكراً لمن قدمني وأتحفني، وحاول أن يكرمني أكرمه الله، فإنما هو دوحة للندى وللإخاء وللوفاء، وكل إناء بالذي فيه ينضح.
موضوعي في هذه الليلة عنوانه: عناية الله عز وجل بأوليائه، والله يرعى أولياءه عز وجل، ويحميهم ويحرسهم.
يا واهب الآمال أنـ ـت حفظتني ورعيتني
عدا الظلوم علي كي يجتاحني فمنعتني
فانقاد لي متخشعاً لما رآك نصرتني
أو إن أجد بالمال فالأموال أنت وهبتني
كان صلى الله عليه وسلم إذا ما ودع أصحابه وحانت لحظة الفراق، وانهمرت الدموع، وتحركت القلوب يقول صلى الله عليه وسلم لصاحبه ولتلميذه الذي يودعه: {أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك} وما أجلها من كلمات! وما أروعها من عبارات! (أستودعك الله التي لا تضيع ودائعه) وهذا ثابت عنه صلى الله عليه وسلم.
والله إذا استودع شيئاً حفظه عز وجل، وانظر ما أجلها من كلمة: أستودعك الله التي لا تضيع ودائعه فالله عز وجل إذا حفظ حفظ، وإذا استودع شيئاً حفظه عز وجل من كرمه وبره ووإحسانه.
يقول أبو قتادة رضي الله عنه فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم: رافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة من غزواته، قال: فسهرنا ليلتنا تلك، فلما أتى الصباح وصيلنا الفجر، رافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته، فنعس صلى الله عليه وسلم وأصابته سنة وراحلته تمشي، نعس بعد ليلة جهيدة سامرة من الفداء والبناء والتضحية لهذه الأمة، ما كان يعرف الفراش الوثير صلى الله عليه وسلم، ما كان يعرف المراقد الناعمة، كان دائماً في الأسفار وعلى التلال وفي الصحراء ليرفع هذه الأمة.
في مجلسنا هذا أدركنا حسنة من حسناته صلى الله عليه وسلم، ولولا الله ثم هو ما جلسنا في هذا المجلس المفعم بذكره عز وجل، وما تقابلت هذه الوجوه النيرة، وهذه الأعلام البينة، وهذه المقل التي ترنو بالدموع عند الوداع إلا بإحسانه صلى الله عليه وسلم وفضله بعد فضل الله.
المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء
يقول أبو قتادة: فنعس صلى الله عليه وسلم فكاد أن يسقط من على راحلته فدعمته قال: فنعس ثانية فقربت منه فدعمته، ثم نعس ثالثة حتى كاد أن يسقط، قال: فدعمته حتى استوى، فاستيقظ صلى الله عليه وسلم فمد طرفه فرآني فقال: {حفظك الله بما حفظت رسوله} دعوة من محمد صلى الله عليه وسلم -لا كالدعوات- تنفذ وترفع فوق الغمام ويفتح الله لها باب الإجابة: حفظك الله بما حفظت رسوله، وحفظ الله أبا قتادة في حياته فما ضل مع من ضل، وما أخذته فتنة وما اجتاحته مصيبة، بل بقي محفوظاً بحفظ الله عز وجل.
والليلة سوف أعرض عليكم نماذج من حفظ الله لأوليائه عز وجل، فإنه الحافظ على كل شيء والوكيل، قال الله عن نفسه: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:٦٤] خير حافظاً، قالها يعقوب عليه السلام لابنه الفقيد الوليد الجليل يوسف حينما فقده، مرة؛ يقولون: أكله الذئب، ووالله! ما أكله، ومرة يقولون: ابتلعته الصحراء، ووالله! ما ابتلعته، ومرة يقول القصصيون: لقد ذهب هو غيظاً على إخوانه وعلى أبيه، وما ذهب ولكن ذهب في رعاية الله ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، وتلك العصابة المؤمنة التي خرجت من القصور الشاهقة إلى الكهف فحفظهم الله عز وجل ورعاهم، وهكذا يحفظ الله كل من تولاه.