للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التربية في ظل الازدواجية]

السؤال

لا بأس أبا عبد الله! أن نواجهك ببعض الأسئلة، لأن اللقاء يبدو أنه وجه لوجه: مما يلاحظ وجود الازدواجية، فنحن نريد أن نربي، لكن المجتمع فيه عدة قنوات لا يخدم بعضها بعضاً، فعندما نربي أبناءنا مثلاً: على خلق فاضل، على حجاب المرأة المأمور به شرعاً، على قضايا خلقية معينة؛ نفاجأ بأن الإعلام يصدمنا في هذا الجانب، وبعض الجوانب التربوية تصدمنا، فهل تستطيع أن تعالج ببعض الكلمات هذه القضية, قضية الازدواجية في المجتمع؟

الجواب

هي -كما تفضلتم- الازدواجية وهي اسم عصري، وقد سماها السلف: المدافعة، وكتب عن سنة المدافعة بعض الناس من الفضلاء والعلماء الكبار، وهي أنه لا بد من صراع بين الحق والباطل، على مستوى الجماعات والدول, والشعوب والأفراد، وهذه أرادها الله قدراً، وجعلها الله تعالى سبباً، وأنزلها واقعاً، فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} [البقرة:٢٥١] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:٣١] هذا على الأفراد.

وأما على المجتمعات فقد قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [الحج:٤٠] وفي المخلوقات سنة المضادة والمدافعة: الليل والنهار، الحار والبارد، الحلو والحامض، وهكذا.

فأولاً: لا بد أن يعترف الداعية بأن هذا لا بد أن يوجد، وأن يقع، وأن يكون.

وثانياً: لابد أن أهل الأرض أكثرهم عصاة ومنحرفون، وهذه سنة الله, فقد قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:١٣] {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:١١٦] {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦] فدلت النصوص والواقع على أن أكثر أهل الأرض كفار، وأن القليل من المسلمين سنيون، والقليل من السنين مخلصون، وهده سنة من سنن الواحد الأحد.

أما ما ذكرت فهذا هو الصحيح، وهي أكبر مأساة يعيشها الدعاة، لأن الواحد منهم يجدد ويحاول أن يصلح وأن يضع لبنة، فإذا بمن يهدم أكثر من الذي يبني الصحيفة، والشاشة، والمذياع، والشارع، والمرأة العارية، والكأس، وجلسات اللهو، والليالي الحمراء، والشبه التي تطرح، وهي شبه إلحادية تخرج الناس عن الملة والدين، وكلها تحارب الدعوة فما الحل إذاً؟

الحل: أن يعلم أن عليه أن يؤدي الكلمة والأمانة التي عنده، سواء استمع الناس إليه أو لم يستمعوا، فإن الأنبياء أعظم منه وأخلص، ومع ذلك لم يهتد على أيدي بعضهم ولو واحداً، قال الله: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:٤٨] {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ} [الرعد:٧] {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:٢٢] وغيرها آيات كثيرة.

ثالثاً: أن يعلم الداعية أن جهده هذا لن يضيع عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، فإن أجره محسوب ثم لا ييأس فإن الثمرة قد لا تتأتى الآن, وكم من كلمة تقال أو موعظة أو خطبة ولا يستمع لها مستمع، ثم ينتبه لها العقل بعد فترة، فيهتدي بسببها، ولو أن المجال يتسع لذكرت بعض النماذج من الكلمات التي ألقيت في بعض المناسبات من بعض الدعاة والعلماء، وانتبه لها بعض السامعين بعد سنوات واهتدوا بها بإذن الله، لأن الكلمات تنفذ، وهي مؤثرة، وقد لا تؤتي أكلها إلا بعد حين.

ثم نقول: ليس واجباً على المسلم أن يدفع الشر كله حتماً، لكنه يقلص ويحد ويقلل منه إذا لم يستطع دمغه كله, وهذا تحقيق للمصلحة العظمى بارتكاب الضرر الأصغر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>