للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الإعداد النبوي للغزوة]

علم بذلك صلى الله عليه وسلم فقام خطيباً في الناس وأعلن الحرب على مالك بن عوف النصري , وعد كتائبه فكانت اثني عشر ألفاً من المقاتلين، فجعلهم عشر كتائب عليها عشرة قواد، ثم ذهب عليه الصلاة والسلام وتمركز في وادي حنين لأن المثل عند العرب: ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا " والرسول صلى الله عليه وسلم يخاف أن يتقدموا إلى مكة أو إلى المدينة فيصعب عليهم مقاتلتهم, فباغتهم عليه الصلاة والسلام فلاقاهم في وادي تهامة في أرض يقال لها حنين.

وبات عليه الصلاة والسلام في تلك الليلة ومعه اثنا عشر ألفاً, فيهم المؤمن الصادق الإيمان من أمثال أبي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي؛ الذي يقول أحدهم -من كثرة يقينه وإيمانه-: [[والذي لا إله إلا هو لو كشف الله لي الحجاب ورأيت الجنة والنار ما زاد إيماني ويقيني مثقال ذرة]] وفيهم مسلمو الفتح الذين أسلموا ترغيباً وترهيباً, وأسلموا رجاء الغنائم, ولما يدخل الإيمان في قلوبهم.

ثم توقف عليه الصلاة والسلام فقال: من يحرسنا الليلة وله الجنة، فتبرع أصحابه وقاموا أمامه, وقال ابن أبي حدرد: أنا أحرسكم يا رسول الله على الشرط -أي على شرط الجنة- فصعد الجبل ومشى عليه الصلاة والسلام.

فلما اقترب الفجر قال الرسول صلى الله عليه وسلم لحارسه ابن أبي حدرد: انتبه للقوم فإنا نخاف منهم أن يباغتونا في غسق من الليل -وكان عليه الصلاة والسلام يعرف هذه الأمور والقوم من رماة العرب- وإنا نخاف إذا رمونا أن تفر منا الخيل والإبل فلا يثبت أحد.

فقال ابن أبي حدرد: لبيك وسعديك يا رسول الله، فقام في رأس الجبل, وكان مالك بن عوف النصري وقبائل العرب المقاتلة في جهة الوادي, والرسول عليه الصلاة والسلام في الجهة الأخرى, وابن أبي حدرد في رأس الجبل.

نام عليه الصلاة والسلام ونام أصحابه، فلما لمع الفجر وأذن المؤذن، قام صلى الله عليه وسلم فتوضأ وصلى ركعتي الفجر, وإذا بذاك الحارس سهر من أول الليل حتى أقبل الفجر ثم نام، وكان ذلك أمر الله: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} [الأحزاب:٣٨] فقام صلى الله عليه وسلم لما سمع المؤذن يؤذن في الناس للصلاة, ولما صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم, وإذا الجبل كأن أعلاه أقبل على أسفله.

قال ابن أبي حدرد: استيقظت فإذا مالك بن عوف النصري في أول كتيبة كأنها السيل الجرار شاكون في السلاح, قوامها ألف وقد وصل إلى جانبي, ووالله لا يمكنني إلا أن أرفع صوتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال مالك بن عوف النصري: احبسوهم بالنبل, وكانوا من رماة العرب, فأخذوا يرمون من رءوس الجبال بالنبل, فصارت كالغمام على رءوس الناس، فطوقت معسكره عليه الصلاة والسلام, وأحدثت ذهولاً عاماً في الناس, وأخذت الخيول والإبل تفر في كل جهة.

فقام عليه الصلاة والسلام ودعا الناس إلى المعركة وإلى أن يستقبلوا مالك بن عوف النصري؛ أما الجبل فأقبل بعضه على بعض، ونزل الاثنا عشر ألفاً من الجبل جميعاً, ووراءهم الإبل ثم البقر ثم الغنم, وبين الإبل والمقاتلة النساء والأطفال.

وقد قال دريد بن الصمة لـ مالك قبل المعركة وكان حكيماً من حكماء هوازن، وقد كان رجلاً أعشى لا يبصر كثيراً, وهو شاعر مشهور قال: يا مالك! إنني أسمع بكاء الصغير ورغاء البعير وثغاء الشاة, فلماذا جمعت الناس وجمعت هذا الجيش؟ قال: إني أخاف أن يفروا إذا علموا أن أهلهم في ديارهم وأموالهم.

قال: والله ما هذا بالرأي -ويحلف باللات- لا يرد المنهزم شيء.

فأراد الناس أن ينخذلوا عن مالك بن عوف النصري , فسل سيفه وهو في الجبل, ثم قال: يا معشر العرب, إما وافقتموني هذا اليوم، وإلا اتكأت على سيفي حتى يخرج من ظهري، فقالوا: وافقناك، فكان لسان حال دريد بن الصمة:

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغدِ

وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد

فنزلوا ووافقوا مالك بن عوف.

<<  <  ج:
ص:  >  >>