هذا الرجل - عبد الله بن المبارك - هو مثل لكل شاب يريد الله والدار الآخرة، أو لكل رجل أسرف في أول عمره أو أخطأ، ثم أراد أن يراجع حسابه، وأراد أن يعيد نفسه إلى الله تبارك وتعالى.
عاش حتى بلغ السابعة والعشرين من عمره، وكان يصلي كما يصلي كثير من الناس، لكنه ما كان يعيش مع الإسلام في ليله ونهاره، ما كان يشغل أوقاته بطاعة الله بدقائقها وثوانيها وأنفاسها مع الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلما أراد الله أن يوقظ قلبه، وكان مع عصابة من القرناء الذين يريدون أن تكون الحياة معبراً للذات والشهوات، جلس في شمال إيران، وكانت هناك حديقة قريبة من منزله، فسمر مع هؤلاء القرناء، فلما انتهى من سمره نام، وكانت تلك الليلة ليلة مباركة أراد الله أن يوقظ قلبه، فسمع أن هاتفاً يهتف ويقول:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[المؤمنون١١٥ - ١١٦].
فاستفاق وعلم أنه مقصود بالخطاب، وأنه مدعو إلى الجواب، فقام من تلك الليلة وبدأ حياة جديدة مع الله عز وجل، حياة التفقه في دين الله، وتدبر كتابه، والتزود بالنوافل؛ ففتح الله عز وجل عليه، وعاهد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عهداً أوجبه على نفسه ولم يوجبه غيره من الناس عليه؛ ولذلك يقول ابن تيمية: إن الحق الذي يذكره الله في كتابه كقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم:٤٧] أوجبه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على نفسه ولم يوجبه أحد من الناس عليه؛ فحق عليه تبارك وتعالى أن من طلب الهداية وأراد الخير أن يهديه، فهدى الله هذا الرجل؛ فاستنار قلبه.