للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[واجبنا نحو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

نحن أمةٌ لا نعيش إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أنا وأنت، المتكلم والسامع، إن لم نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر وإلا فاعتبر أن الخزي والذل سوف يحل بنا، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:٧٨ - ٧٩].

ويقول عليه الصلاة والسلام: {إنما أهلك الذين كانوا قبلكم، أن الرجل فيهم كان ينهى الرجل ثم لا يمنعه أن يكون أكيله وشريبه من آخر النهار، فلما فعلوا ذلك لعنهم الله} حولهم قردة وخنازير، أذلهم إذلالاً ما شهد التاريخ مثله، بل كتب عليهم اللعنة في كل كتاب، وعلى لسان داود وعيسى بن مريم عليهما السلام.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يفتقر إلى أمر إلا من الواحد الأحد، وإذا ما فعلت ذلك فتأكد أن التباب والخسار سوف يحل بالبلاد والعباد.

صعد أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه على المنبر، فقال: {يا أيها الناس! إنكم تقرءون آيةً وتحملونها على غير محملها، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:١٠٥] وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه، أوشكوا أن يعمهم الله بعذابٍ من عنده} وهذا حديث صحيح، فالناس إذا رأوا المنكر وسكتوا ولم يتكلموا وجعلوها للهيئات، وخلوا المسئولية، وعاشوا السلبية، أوشك الله أن يأخذ الصالح والطالح، والمصلح والمفسد، ثم يلعنهم كما يلعن الذين من قبلهم.

يأمر أمير المؤمنين بالمعروف وينهى عن المنكر وهو في سكرات الموت، هذا باب بوبه أهل السنة قالوا: عمر يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهو في سكرات الموت، طعن أمير المؤمنين عمر -الأبطال يموتون شهداء- نزف دمه كالماء، وماذا يقول عمر؟

كانت عيونه تهراق بالدموع، ويقول: [[يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني ما عرفت الحياة، يا ليتني ما توليت الخلافة]] طوبى لك يا أمير المؤمنين! بل والله ليت أيامك تتكرر.

أيا عمر الفاروق هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر

رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا

تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويُبْحِرُ

أتى ودمه يثعب، فكانت عيونه تهراق بالدموع، ويقول: هل صليت؟

لأنه طعن في الركعة الأولى ولم يكمل الصلاة؛ كان شغله الشاغل هو الصلاة، يريد أن يلقى الله بالصلاة، لم يسأل عن زوجة ومنصب، ولا عن دار أو قصر أو عقال، ولا عن خلافة أو ملك، قال: هل صليت؟

قالوا: يعينك الله وتصلي، فأعانه الله فأتم الصلاة.

يقول عمر وهو في سكرات الموت: [[الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، الله الله في الصلاة! لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، من حفظ الصلاة حفظه الله، ومن ضيع الصلاة ضيعه الله]].

وهو في الرمق الأخير كان يسلم على الأطفال ويبكي وهم يبكون، ثم أتاه الشباب يسلمون عليه، فلما ولىَّ شابٌ وجد عمر إزار الشاب مرتخٍ تحت الكعبين، قال: تعال يابن أخي -رضي الله عنك حتى في ساعة الصفر تأمر! حتى في الساعة التي ينسى فيها الإنسان حبيبه، وزوجته وولده وأخاه تأمر- قال: [[تعال يابن أخي! ارفع إزارك، فإنه أتقى لربك، وأنقى لثوبك]] قال الابن الغلام: جزاك الله عن الإسلام خير الجزاء، إيه والله.

يقول علي بن أبي طالب لـ عمر وهو مكفن يريد أن يصلي عليه: [[والله ما أريد أن ألقى الله بعمل رجلٍ إلا بعملٍ كعملك، لقد كفنت سعادة الإسلام في أكفان عمر]].

الشاهد أنه في ساعة حرجة أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان} أي إيمان يبقى مع إنسان وهو يجوب الأماكن والأسواق والمنتزهات والشواطئ وينظر إلى هذه المناظر ثم لا ينكر قلبه على أقل الأحوال؟ والله إن الإنسان يصيبه مرض، وإنه ليأسف أسفاً شديداً، وأن قلبه يكاد أن يتمزق حسرةً لهذه الأمة، أجدة قريبة من مهبط الوحي من الحرم؟ أجدة البلد الإسلامي؟

أجدة بلد الصحوة، وبلد الدروس والعلم؟

أشاطئها يشهد هذه الأمور؟! إنه يؤسف كل مسلم، وإني ما أتيت هنا متفرجاً ولا متنزهاً وإنما أتيت واعظاً، أقول لإخواني: طريق الهداية قد فتحت أبوابها، فعودوا إلى الواحد الأوحد؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>