صحيح أن النحو من أشرف العلوم، وأن الإنسان إذا لم يصلح لسانه اختبل، لا ندعي أنه بالنحو سوف يكون رجلاً فصيحاً لا يلحن أبداً، فلا يسلم من اللحن أحد في الغالب، سيبويه إمام النحو، الذي صنع النحو من خيوط الحرير وجمعه من البوادي، ووضع كتاباً كالمعجزة اسمه الكتاب، كان لا يتكلم العربية بطلاقة، ولو أنه عملاق وعبقري من أذكى الناس، مات وعمره اثنان وثلاثون سنة.
من تلظي لموعه كاد يعمى كاد من شهرة اسمه لا يسمى
من تداجي يا بن الحسين أداجي أوجهاً تستحق ركلاً ولطما
سيبويه هذا لم يكن كلامه فصيحاً، يقال عن ابن رجب وابن كثير إنهما يشققان الكلام حتى يذهب عن المقصود.
وتَجد في كثيرٍ من النحاة كثيراً من الخيلاء والعجب؛ حتى دخل أحدهم يلحن ولا يدري أنه يلحن، قالوا: ماذا تريد؟ قال: رمانتان طازجتان طيبتان، ثم أخذ من هذا المثنى، قال له البائع:{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:١٣] تستحق ضربتان، وصفعتان، وركلتان، أو كما قال، ذكره ابن الجوزي عن هذا.
المقصود أن التعمق والتقعر من شيم أهل الكبر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:{هلك المتفيهقون} قال أهل العلم: المتفيهقون هم الذين يتكلمون بتوسعٍ ليظهرون فضلهم وعلمهم عند المجالس وليس عندهم علم، يتكلم في عوامٍ ما يعرف الواحد منهم اسمه، فيقول: إن الحال يوم ينصب حينها يكون للعامل فيه تأثير وهو الفاعل في الغالب، وإنني يوم انطلقت اليوم مع إشراقة الصباح ونداء الفجر وإطلالته ونسماته، ما يدرون هل يتكلم عربي أو فرنسي فهذا معناه العجب؛ قال ابن قتيبة: سقط نحويٌ في حفرة، فأتاه رجل ينقذه، قال: مالك؟ قال: خذ حبلاً رقيقاً، وشده شداً وثيقاً، واسحبني سحباً رفيقاً، قال الرجل: امرأتي طالق ثلاثاًَ إن أنقذتك من الحفرة، الآن تلقي محاضرات وخطب جمعة ورأسك في الحفرة، ما هذا التكلف.
فالنحو يطلب للوصول إلى المقاصد.
أيها الإخوة الفضلاء: قبل أن نأتي إلى انتهاء هذه الجلسة نحب أن نسمع الأسئلة الشفوية؛ لكن هذه الأسئلة لا بد أن تدور حول الدرس، أما في الرضاع أو في الطلاق أو في الحجاب فبعيد، ولو أن أحد الإخوة يريد أن تكون مباشرةً.